أهمية التدرج في تطبيق نظام رسوم الأراضي قد يكون لضمان سلامة التطبيق وجودته، حيث إننا نعيش في بلد ذي مساحة كبيرة ومناطق مترامية الأطراف، لذلك قد يكون من المجدي البدء بشكل تدريجي حتى يأخذ النظام شكله المناسب والمتوافق مع أهدافه ثم يتم تعميمه بشكل أوسع ليشمل كل مدن المملكة الرئيسة ومناطقها وفق مؤشرات أداء واضحة لآلية التنفيذ التي تمت في المناطق ذات الأولوية، وليست المشكلة في التدرج كمبدأ ولكن المشكلة قد تظهر في آلية التدرج وأولوية التطبيق ومدى إمكانية تحقيق التدرج لأهداف النظام دون إفراط أو تفريط.
لا يخفى على أي مطلع أو مهتم بالشأن العقاري السكني الارتفاعات الشديدة وغير المنطقية في أسعار الوحدات السكنية خاصة في المدن الرئيسة التي تجاوزت في بعضها 300 في المائة خلال العقد الماضي، ويمكن تصنيف تلك المدن أن عدد سكانها يزيدون على 50 في المائة من سكان المملكة، تبدأ هذه المدن بالرياض ويسكنها 6.3 مليون نسمة ثم جدة 4.2 مليون ثم مكة مليونا نسمة ثم المدينة 1.4 مليون ثم الطائف 1.2 مليون ثم الدمام 1.1 مليون، الملاحظ أن هذه المدن هي المتصدرة في قائمة المدن الأكثر نشاطا في قيمة الصفقات العقارية خلال السنوات الأخيرة، ومتوسط أسعار الوحدات السكنية بمختلف أنواعها تعتبر الأعلى سعرا مقارنة بغيرها من المدن، مع أنها تحوي ملايين الأمتار المربعة من الأراضي المخدومة ببنية تحتية بل وتتوسط هذه الأرضي البيضاء أحياء سكنية معمورة من شأنها أن تحل جزءا كبيرا من الأزمة إذا اضطر أصحابها لبيعها بسبب ضغط الرسم وعدم إمكانية تحمل تكاليفها السنوية، لذا ينبغي إعطاء هذه المدن الأولوية في تطبيق رسوم الأراضي البيضاء فور صدور لائحتها، وعدم استثناء أصحاب الأراضي التي تقع ضمن النطاق العمراني من دفع الرسم، سواء تلك الأراضي المخدومة ببنية تحتية وذلك لتغطي الطلب الحالي في القريب العاجل أو الأراضي الخام التي من شأنها أن تغطي الطلب المستقبلي.
هذه المؤشرات المستندة على أرقام واقعية من مصادر رسمية توضح بشكل جلي أولويات التدرج الزمني المنشود، حيث تبدأ من المدن الأعلى سعرا وكثافة سكانية التي بالتأكيد ستكون أكثرها معاناة في معدلات عدم القدرة على التملك، والعمل على تطبيق الرسوم على المدينة بأكملها للأراضي ويتم البدء بالمناطق التي تحوي الأحياء الأكثر ارتفاعا في الأسعار داخل المدينة، والعارف بالتقييم العقاري واستراتيجية تسعير الأراضي سيعي أن ما يؤثر في قيمة الأرض بالذات إيجابا أو سلبا هي المقارنة بالأحياء المجاورة ثم على مستوى المدينة، وبالتالي إن تم استهداف المدن الأعلى سعرا كمرحلة أولى وبالذات الأحياء الأغلى في أسعار الوحدات السكنية والأراضي في كل مدينة، وهي معروفة لدى أي متابع للشأن العقاري ويمكن استخراجها من واقع المبيعات المنفذة في المؤشر العقاري لوزارة العدل، سيجد أن بقية الأحياء في المدينة ستتعرض لانخفاض قد يتجاوز انخفاض المناطق ذات الأسعار المرتفعة بسبب المقارنة، وبالتالي يتم تحقيق الهدف جزئيا حتى وإن لم تطبق عليها رسوم الأراضي كمرحلة أولى، مع أهمية توضيح جدول زمني لتطبيق الرسوم على بقية المناطق والمدن، دون استثناءات قد تجر الويلات على تلكم المدن وتصدر الممارسات الاحتكارية إليها، وبالتالي بدلا من أن تكون المشكلة محصورة في مدن معينة، ستنتشر ممارسات الاحتكار كالسرطان لتدمر التنمية في بقية المدن، لذا فالتساهل في الاستثناءات قد يؤدي إلى عواقب وخيمة لا تحمد عقباها.
الخلاصة، التدرج الزمني في تنفيذ رسوم الأراضي لا يعني بالضرورة إمهال أصحاب الأراضي وإنما ضمان جودة التطبيق والتأكد من تحسن مؤشرات الأداء الرئيسة للنظام في المناطق التي ستطبق عليها كمرحلة أولى، وحتى يكون النظام مؤثرا من المهم أن يبدأ من المدن الأكثر ارتفاعا في الأسعار والكثافة السكانية وبالذات في الأحياء الأغلى سعرا، ولا يتم استثناء أي أرض لا تحتوي على بناء لوحدة أو وحدات سكنية تمثل 50 في المائة أو أكثر من مسطحات البناء المصرح بها، ويمكن استثناء الأراضي المعدة للاستخدام الشخصي كحد أقصى 1.500 متر مربع للشخص مثلا، ولا يعطى صاحب الأرض أي مهلة إلا لمن استخرج تصاريحه وبدأ بالتطوير قبل بداية عام 2013 التي تعد بداية مرحلة قمة سوق العقار خلال الفترة الماضية، ولذلك من لم يستخرج تصاريح واعتمادات التطوير قبلها ويبدأ عملية التطوير خلالها فهو لا يخلو من أمرين، إما أنه يود السير على نهج احتكار الأرض حتى يستفيد من ارتفاع قيمتها مستقبلا بحبسها عن المحتاجين وهذا النوع من تعطيل التنمية هو المستهدف الأول من نظام رسوم الأراضي البيضاء، أو أنه دخل السوق في وقت غير مناسب وأخطأ في حساباته الاستثمارية، وبالتالي ليس من مسؤولية وزارة الإسكان مراعاة مصالح هذا المستثمر مقابل مصلحة العامة، وعلى وزارة الإسكان أن تعي وتدرك أهمية الخروج بلائحة تنفيذية محكمة ورصينة لنظام رسوم الأراضي البيضاء، حيث تحقق هدفها الاستراتيجي بتوفير وحدة سكنية مناسبة لإمكانات وحاجات المواطن، وتوقف التعطل الحاصل في التطوير.