أظهر تقرير نشرته مجلة الإيكونومست أنه رغم كل التحذير حول «ظهور الروبوتات»، أو «البرمجيات التي تأكل العالم» أو المخاطر التي يفرضها تغير المناخ، أحد المخاطر الاقتصادية الأكثر إلحاحا في المستقبل لا يكاد ينتبه إليها أحد: مُلَّاك الأراضي يأكلون العالم.
مشيراً غلى أن هناك قلق متزايد من أن التفاوت في الثروة قد ارتفع لأعلى مستوياته، وأن دخل رأس المال مسؤول عن حصة متزايدة من الكعكة الاقتصادية. كان هذا هو موضوع توماس بيكيتي في كتابه بعنوان «الرأسمالية في القرن الحادي والعشرين». ولكن على الرغم من أننا في العادة نتصور «الرأسماليين» كما عرّفهم من قبل كارل ماركس – أي أصحاب الشركات – نحن ننسى أن الأرض هي أيضا شكل من أشكال رأس المال، وهو ما يعني أن ملاك الأراضي (وملاك المنازل) هم من الرأسماليين أيضا. وعلاوة على ذلك، وفقا لمات روجنلي، وهو طالب دكتوراه في الاقتصاد في معهد ماساتشيوستس للتكنولوجيا، فإنها الأرض، وليس رأسمال الشركات، هي التي كانت مسؤولة عن نصيب الأسد من الزيادة في رأس المال من الدخل.
وأوضح التقرير أن الحصة من قيمة العقار السكني كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي قد ارتفعت ارتفاعا كبيرا في البلدان الأوروبية منذ عام 1950، وهذا أمر سيئ للاقتصاد حتى نفهم السبب، علينا أولا أن ننظر إلى الأسباب التي جعلت للأرض قيمة في المقام الأول. وهذا ليس بالأمر السهل، وذلك لأنه على طول معظم التاريخ البشري، جاءت قيمة الأرض بشكل رئيسي من قيمة قوتها الإنتاجية الطبيعية – خصوبة التربة، أو المعادن تحت الأرض. ولكن في العصر الحديث، للأرض قيمة لسبب مختلف جدا، لخصه شعار العقارات: الموقع ثم الموقع ثم الموقع.
في مدينة أو ضاحية، قيمة الأرض تأتي من الموقع. الناس يريدون أن يكونوا على مقربة من الشركات التي يعملون فيها. والشركات تريد أن تكون قريبة من الناس الذين تستخدمهم. المتاجر تريد أن تكون على مقربة من المستهلكين الذين تخدمهم، والمستهلكون يريدون أن يكونوا على مقربة من المتاجر. الشركات في نفس الصناعة تريد أن تكون قريبة من بعضها البعض، حتى تتمكن من إبقاء العين على منافسيها، وامتصاص الأفكار، وسرقة المواهب. والناس تريد أن تكون قريبة من الناس الآخرين بشكل عام، وبذلك سيكون لهم ولأطفالهم أصدقاء، يتمتعون بثقافتهم ويلتقون بشركائهم الرومانسيين.
وقال التقرير : على النحو الذي تصبح فيه اقتصاداتنا أكثر تعقيدا، هناك المزيد من أنواع المتاجر والمزيد من الأنشطة الثقافية والمزيد من الصناعات لتتجمع معا. ولذلك، فإن قيمة الموقع تزداد، الأمر الذي يدفع قيمة الأرض للارتفاع، ولا يهم مقدار الأراضي الفارغة الموجودة هناك – من الذي يرغب في العيش في براري كانساس؟ ما هو مهم بالنسبة لقيمة الأرض الحديثة هو الحافز لتحديد مكان بالقرب من أشخاص آخرين. الموقع يصبح أكثر وأكثر قيمة عندما يصبح اقتصادنا أكثر تعقيدا، إلا إذا كان علينا جميعا بدء العمل عن بعد والعيش كلية على الإنترنت.
المزيد من المتاجر، والمزيد من الصناعات والمزيد من الثقافة تعتبر أشياء جيدة. ولكن ما يعتبر شيئا سيئا جدا هو أن هذا الموقع أصبح مهما جدا بالنسبة لنا، لأن المكان هو سلعة نادرة بطبيعتها. عندما يصبح أكثر أهمية، فإنه يصبح أيضا أكثر ندرة، وعندما يصبح أكثر ندرة، فإنه يضع الفرامل على النمو، كما لو أن النفط أصبح أكثر تكلفة. أصدر الخبراء الاقتصاديون تقارير تفيد بأن هذه الندرة قد خفضت الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بأكثر من 13% منذ الستينيات.
ويفاقم هذا من حقيقة أن المدن هي نفسها إنتاجية بشكل ملحوظ. عندما تتجمع الشركات والناس أكبر معا بكثافة، تزداد الإنتاجية لهم جميعا. ولكن من المفارقات، كلما كانت مكافأة الإنتاجية التي توفرها الكثافة أكبر، تكون الخسارة من ندرة المواقع الحضرية أكبر. في المصطلحات الاقتصادية، هذا يعتبر «ظرفا خارجيا» وهذا يعني أن الأرض تنتهي بالحصول على سعر أكثر من القيمة التي تنتجها.
وبالتالي فإن الأهمية المتزايدة للأرض هي خبر سيئ للاقتصاد العالمي. ماذا نستطيع أن نفعل؟ هناك نهج كان ينادي به هنري جورج، عالم الاقتصاد من القرن التاسع عشر، هو لفرض ضريبة على قيمة المواقع. أساسا، ضريبة قيمة الأرض هي ضريبة الممتلكات مع وجود استثناءات من أجل التنمية. هذا يشجع البناء والتنمية، في حين يخفض التكلفة التي يجب على الشركات تدفعها لتحديد موقع على مقربة من موقع آخر. بنسلفانيا طالما استخدمت نسخة من هذه الضريبة، التي تسمى أحيانا ضريبة أملاك «معدل الانقسام» ، مع نتائج مشجعة. نهج آخر لخفض تكلفة الكثافة ينطوي على الحد من تقسيم المناطق والقيود الأخرى المفروضة على البناء، مما يتيح أساسا للمطورين إنشاء المزيد من المواقع حيث يمكن للناس العيش والتجمع.
المشكلة، بالطبع، هي أن هذه الحلول تعتبر صعبة سياسيا. الملاك أقوياء في السياسة المحلية، وسوف يقاومون بشكل طبيعي أي سياسات تقتطع من الثروات التي تهبط عليهم. وكما هي الحال في كثير من المواقف، يعلم الاقتصاديون ما يجب عمله من أجل تعزيز الاقتصاد القومي، لكن من شبه المؤكد أن المصالح الخاصة سوف تقف في وجه هذه السياسات.