لم أستطع أن أحصل على إحصائية موثوقة توضح نسبة تملُّك المواطنين السعوديين لمنزلهم الخاص ،فسألت صديقاً لي، أجابني بأن أرجح التقديرات تشير الى أن هذه النسبة لا تتجاوز 45% ،فان صحَّت هذه المعلومة فهي تعني أن نسبة تملك المواطن السعودي لمنزله تعادل نصف نسبة المواطن الصيني أو الهندي أو مواطني كثير من الدول الاوروبية وتقل كثيراً عن نسبة تملُّك المواطن الأمريكي التي تبلغ قرابة 64%.
وإذا أدركنا أن تملك المسكن الخاص يرتبط بمفهوم الأمن والاستقرار فإننا لا بد وأن نقر بأن تدني هذه النسبة الى ما دون النصف أمر مثير للقلق، وأحسب أن عوامل كثيرة تسهم في هذا التدني منها استمرار مفهوم العائلة الكبيرة حيث يستمر الأبناء في العيش مع آبائهم وربما أجدادهم في بيت متعدد الأجيال، ومنها أن تطلعات بعض الشباب الى بيت الملكية لا تتسم بالواقعية من حيث الحجم أو الموقع، ومنها أن أنظمة الإقراض التجاري والاقراض الميسر قد أخفقت دون شك في تلبية احتياجات الشباب ومساعدتهم على بناء مسكنهم الخاص، ومنها أن سياسة تطوير الأراضي ومنحها لمستحقيها قد انحرفت عن مسارها القويم وأدت الى حرمان كثير من الشباب من الحصول على قطعة الارض المناسبة في المكان الملائم وبالتكلفة المعقولة،ولكن أحد أهم الأسباب في هذا الوضع يتمثل في نظري في غياب فلسفة الادخار لدى الشباب أو ضعفها.
روى لي أحد الأصدقاء قصة عن زوجين أمريكيين شابين تقاعدا مؤخراً في سن يقارب الأربعين بعد أن أمضيا عشرين سنة في سوق العمل، يقول الزوجان إنهما قد قررا منذ بداية حياتهما العملية أن يتقاعدا في سن الأربعين وأن يستفيدا من وقتهما بعد التقاعد في السفر والترحال والتعرف على بلدان العالم وممارسة الرياضة والهوايات والعمل التطوعي وكل ما من شأنه أن يعود عليهما بالمتعة والفائدة، أما كيف تمكن الزوجان من ذلك فإن السبب يعود الى أنهما قد قررا أن يدخرا 70% من دخلهما الشهري وأن هذا الادخار مع عوائده الاستثمارية مع راتبهما التقاعدي يدر عليهما بعد التقاعد دخلاً محترماً يكفي لتمويل نمط الحياة الذي اختاراه.
أنا لا ادعو الشباب الى أن يدخروا 70% من دخلهم الشهري ولكنني أدعوهم إلى أن يدخروا 30% فقط من قرشهم الأبيض ليومهم الأبيض ان شاء الله وليمدوا أقدامهم أقصر قليلاً من فراشهم دون أن نعفي الجهات المعنية بالدولة والمجتمع من مسئولية معالجة بقية المسائل التي أشرنا اليها ضمن أسباب هذا الواقع.