يأتي قرار مجلس الوزراء بإنشاء هيئة العقار في وقته تماما، فالجميع يعتقد أن العقار وصل إلى مرحلة يحتاج فيها إلى قوة في القرار ووحدة في مصدره، فالمسألة أصبحت شائكة ومعقدة جدا، حتى لم نعرف من يدير السوق العقارية على نحو واضح، فوزارة الإسكان ليست معنية مباشرة بالسوق العقارية من حيث حالة العرض والطلب والتوازن، بل هي معنية بتوفير السكن للمواطن. صندوق التنمية العقارية مسؤول عن تمويل المواطن، وليس له إصدار أي تشريعات تخص العقار، وكذلك مؤسسة النقد و«المالية»، اللتان تشرفان على السياسات المصرفية، والتمويل العقاري، ويبقى السؤال: من يتولى التشريعات الخاصة بالشأن العقاري، ويعمل جهده على تحسين آليات العرض والطلب وتوفير مؤشرات واضحة عن ذلك؟ من هنا أتت هيئة العقار لتتولى تنظيم النشاط العقاري غير الحكومي والإشراف عليه وتطويره، لرفع كفاءته وتشجيع الاستثمار فيه بما يتفق مع أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية. والعقار في المملكة وفي دول العالم على العموم يشكل أهمية كبيرة في إيجاد القيمة والاحتفاظ بها، وهو من أهم الأنشطة الاستثمارية ومؤشر على الوضع الاقتصادي العام للدول، ولهذا تنمية هذا القطاع وتحسين مشاركته في الناتج المحلي جاءت ضمن الأهداف الاستراتيجية لـ “رؤية المملكة 2030” وبرنامج التحول الوطني 2020. الإحصاءات الرسمية الصادرة عام 2016م تشير إلى أن الناتج المحلي الإجمالي لقطاع العقار يبلغ بالأسعار الثابتة لعام 2010م نحو 128 مليار ريال، في حين تبلغ نسبة النمو السنوي المركب مقدار 6 في المائة للفترة بين عامي 2012 و2016م، فيما بلغت نسبة المساهمة النسبية لقطاع العقار في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة لعام 2010م نحو 4.9 في المائة، بما يشكل نسبة 8.3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي.
في هذا المسار فإن الآمال معقودة الآن على هيئة العقار لتصحيح وضع السوق، فالجميع يأمل أن تتحرر السوق العقارية من حالة الركود والغموض التي تلفها، والوصول إلى أسعار عادلة، ولن يتم هذا ما لم تطبق رسوم الأراضي البيضاء ومكافحة الاحتكار العقاري بشتى أصنافه، وإذا كنا قد أعذرنا وزارة الإسكان في عدم قدرتها على مكافحة الاحتكارات العقارية، خاصة للأراضي التي تحولت إلى مخزن للثروة، حيث إن وزارة الإسكان منشغلة بهمٍّ أكبر، لهذا فإننا نعقد آمالا كبيرة على قدرة هيئة العقار، وقد أنشئت بقرار من مجلس الوزراء، أن تعمل بسرعة على خلخلة الوضع الراهن وإنهاء الاحتكار في العقار في المملكة. نحن نعي أن حرية التملك والتصرف هي من قواعد الحكم في المملكة، لكن هذا مقيد بقاعدة “لا ضرر ولا ضرار”، وبناء على هذه القاعدة ونظرا للأضرار الهائلة للاحتكارات العقارية فإننا نعقد آمالا كبيرة على الهيئة في هذا.
تنظيم العقار يعني ضبط العقاريين، حيث تشير الإحصاءات إلى أن عدد المنشآت التي تعمل في قطاع العقار بلغ نحو 39.5 ألف منشأة، 90 في المائة منها منشآت صغيرة، أسهمت بنحو 4.1 في المائة من إجمالي المنشآت في عام 2015. كما بلغ عدد العاملين السعوديين في الأنشطة العقارية نحو 74.5 ألف فرد. لذا نأمل من الهيئة الجديدة المساهمة بفعالية لتنظيم السوق العقارية التي مُلئت فوضى، فالتصنيف للمكاتب العقارية وحجم الأعمال التي يجب أن تدار من قبل كل مكتب، وحجم العقارات التي يشرف عليها، كلها سيكون لها أثر في تنمية السوق العقارية. لقد أصبح العقار في فترة ما فرصة هائلة لمن يريد تكوين ثروة ضخمة من خلال تسويق العقار ورفع الأسعار.
ومن يعرف المكاتب العقارية يدرك تماما الأساليب التي تتبعها من أجل محاصرة المشتري، ورفع الأسعار بشكل مبالغ فيه لتعظيم المنافع الناتجة من نسب الوساطة. نعقد الآمال على الهيئة لحل هذه الإشكالية وتصنيف مكاتب العقار ووضع قواعد وسلوك وآداب للمهنة، وأيضا وضع قائمة سوداء بالأشخاص الذين يخلون بهذه القواعد. إن مثل هذا التصنيف العقاري وتوفير مؤشرات مختلفة عن مستويات الإيجارات وتصنيف المواقع الجغرافية في المملكة من الأمور الضرورية كي تتم تصفية السوق العقارية من الفوضى والغموض الذي حل بها، وتسبب في حالة عدم التوزان والقلق، حتى الركود.