29 أبريل 2020
أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أمرا يقضي بوضع ضوابط تضمن الحد من ممارسة نشاط التمويل من غير المرخص لهم وفق نظام مراقبة شركات التمويل، وهذا الأمر الملكي يأتي لفرض تطبيق مفهوم التمويل المسؤول، وهو نوع من التمويل خاضع للمراقبة، ويأخذ بالمفاهيم العلمية للتمويل، بما يراعي مصلحة المجتمع، وكل أطراف عملية التمويل.
فالأمر في جوهره تعزيز للتمويل وحفاظ على منافعه التي تصلح شأن الفرد وتساعده على مواجهة الحياة، وتوفير متطلباته، وتحد بشكل جوهري من الفوضى التي سبق أن عمت هذه السوق وأضرت بعديد من الأفراد والمؤسسات.
لقد مضى وقت طويل قبل إصلاح منظومة التمويل في المملكة؛ ما أوجد فجوات في السوق تمت تغطيتها من قبل مؤسسات وأفراد مارسوا هذه المهنة دون دراية أو خبرة، وهذا أنتج أنواعا من الفوائد الضمنية غير المعلنة في الأسواق وغير المراقبة، كما تسبب في تنامي ظواهر اقتصادية سيئة؛ كظاهرة التمويل الخفي في الميزانية؛ ما مكن عديدا من هذه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من الحصول على تمويل صريح من المؤسسات المصرفية عند أسعار فائدة معلنة في الأسواق، بينما وضع المؤسسة لا يؤهلها لمثل هذا؛ ما يعرّض النظام المصرفي لمخاطر غير محسوبة. واذا تم التغاضي عن هذه الممارسات، فإن المصارف والمؤسسات قد تتعرض لأزمة ائتمان واسعة، فالتمويل كسوق لها تنظيمات وقواعد عمل ومؤسسات إشرافية، وأي ممارسات خارج هذه السوق ستقوض جهود الجهات الإشرافية، خاصة في ضبط أسعار الفائدة، والسيطرة على التضخم.
لقد سارت الدولة في طريق طويل من أجل إصلاح سوق التمويل في المملكة، ومن ذلك إصدار نظام مراقبة المصارف، ونظام التمويل العقاري، ونظام الإيجار التمويلي، وضوابط التمويل الاستهلاكي، وكذلك ضوابط إصدار وتشغيل بطاقات الائتمان وبطاقات الحسم المباشر وضوابط وإجراءات التحصيل للعملاء الأفراد، ومجموعة من المبادئ الملزمة، مثل مبادئ حماية العملاء في المصارف، ومبادئ حماية عملاء شركات التمويل، إضافة إلى مبادئ التمويل المسؤول، كما صدر نظام مراقبة شركات التمويل الذي حظر في مادته الرابعة مزاولة أي من نشاطات التمويل المحددة إلا بعد الحصول على ترخيص، كما حظر على أي شخص غير مرخص له أن يستعمل أي وسيلة تدل على مزاولة نشاطات التمويل المحددة في النظام أو ما يوحي بمعناها، أو يستعمل في وثائقه، أو أوراقه، أو إعلاناته أي لفظ أو عبارة ترادفها، كما حددت الفقرة الثانية من المادة الـ 35 عقوبة مخالفة النظام.
يأتي الأمر الملكي ليؤكد مضي المملكة قدما في إصلاح هذه السوق المهمة جدا، والحد من تأثيرات التمويل غير المسؤول في الاقتصاد؛ فالتمويل المسؤول يقوم على اتباع أسلوب علمي ومعايير وإجراءات واضحة وشفافة ومكتوبة لتقييم الجدارة الائتمانية للعميل وقدرته على السداد، ومن بين ذلك فحص السجل الائتماني للعميل بعد موافقته للتحقق من ملاءته المالية وقدرته على تحمل الالتزامات الائتمانية الشهرية وسلوكه الائتماني، كما يجب أن يطلب من العميل الإفصاح كتابيا عن أي التزامات أخرى، مثل القروض من جهة العمل أو الأصدقاء أو الأقارب وغيرها من الالتزامات الأخرى، ومن ذلك تقييم هذه الالتزامات الائتمانية مع الدخل الشهري للعميل وتقييم قدرته على الوفاء بالالتزامات جميعها، كما أن الائتمان المسؤول يتطلب فهما للمصروفات الأساسية للعميل، ومن ذلك مصروفات تكلفة المعيشة الأساسية، وبالتالي يتم حساب الأقساط المستحقة بما يراعي ظروف العميل وحياته الأسرية.
التمويل المسؤول هدف اقتصادي يصبح التمويل معه وسيلة للتنمية الاقتصادية وليس لاستغلال حاجة الناس إلى المال، ولذا فإن من يخالف النظام ويمارس تجارة التمويل دون ترخيص وبما يضمن خضوعه لهذه المتطلبات، فإن الأمر الملكي جاء واضحا، بتسريع الإجراءات من خلال تنسيق الجهود بين وزارة العدل ومؤسسة النقد والربط الإلكتروني؛ لوضع الآليات والترتيبات اللازمة بما يكفل دقة رصد المخالفين وتسريع محاكمتهم وإيقاع العقوبات المقررة عليهم نظاما.