تترقب السوق العقارية والإسكان المحلية نتائج التوجه الحكومي الأخير، نحو تحقيق المزيد من الإصلاحات والحلول الفعلية وبخاصة بعد حدوث خلل واضح في إيجارات المساكن ، وذلك استجابة لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين القريبة، التي أكدها نصا في كلمته الأسبوع الماضي، بالعزم الجاد على وضع الحلول العملية العاجلة التي تكفل توفير السكن الملائم للمواطن، سرعان ما بدأت أولى نتائجها في اليوم التالي بالقرارات السامية بإعادة تكليف وزير جديد لوزارة الإسكان، وينتظر في الوقت الراهن ترجمة هذا العزم من الدولة على توفير المساكن الملائمة للمواطنين بأسعارٍ تتوافق مع مستويات الدخل، وتقضي على التشوهات القائمة في السوق العقارية، ضمن منظومة مرتقبة من القرارات والإجراءات الإيجابية يقف وراءها بكل جدية مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.
يشكل ارتفاع أعداد المواطنين الساعين إلى تملك مساكنهم، مقابل التضخم الكبير الذي وصلت إليه أسعار قطع الأراضي السكنية والوحدات السكنية بمختلف أنواعها، أحد أكبر التحديات التنموية في الوقت الراهن، ورغم الركود الذي تعيشه السوق العقارية منذ الربع الأخير من العام الماضي، وما نتج عنه من تراجعٍ في نشاطها وحجم مبيعاتها، والانخفاض الطفيف في مستويات الأسعار بما لا يتجاوز 20 في المائة، مقارنة بأعلى مستوياتها التي وصلت إليها منتصف 2014، إلا أن تلك النسب من الانخفاضات لا تقارن على الإطلاق بنسب الارتفاعات الهائلة التي طرأت على أسعار الأراضي والوحدات السكنية خلال الفترة من 2006 – 2014، وصلت بمضاعف أسعار المساكن إلى الدخل المتاح للمواطن “مقياس يستهدف التعرف على قدرة الفرد على تحمل التكاليف، حيث يبين عدد السنوات اللازمة للفرد لتملك مسكنه وفق مستوى الأسعار السائدة مقارنة بمستوى دخله دون اللجوء إلى الاقتراض” إلى أكثر من 26 عاما على مستوى المملكة، فيما تجاوز هذا المضاعف معدل 33 عاما في المدن الكبرى مقارنة بمتوسطات الأجور للعاملين فيها، ما جعله في المراكز الأعلى عالميا إن لم يكن الأول.
كما تبعه بالاتجاه التصاعدي نفسه “مضاعف السعر إلى الإيجار”، بارتفاعه خلال 2006 – 2014 بنحو 96.5 في المائة وفقا لمؤشر أسعار إيجارات المساكن الصادر عن مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات “يعكس هذا المضاعف رغبة ملاك العقارات المؤجرة في سرعة استرداد تكاليف بنائهم لتلك العقارات من خلال الإيجارات التي يستقطعونها من المستأجرين”.
ووفقاً للتحليل العقاري لجريدة الإقتصادية فأنه يعد هذين المؤشرين “مضاعف أسعار المساكن للدخل المتاح للفرد” و”مضاعف السعر إلى الإيجار” من أهم المؤشرات للمقارنة بين الأسواق العقارية للبلدان، وليس كما يحاول الترويج له عديد من تجار العقار والمضاربين بقطع الأراضي السكنية؛ أن أسعار الأراضي والعقارات لدينا تعد الأرخص سعرا مقارنة ببقية الدول، أو مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي! كون الأخذ بأرقام الأسعار المطلقة يغفل تماما عامل الدخل بالنسبة للأفراد، فيما يأخذ هذان المؤشران بعين الاعتبار كل من مستوى السعر ومستوى الدخل، وبهما تقوم المقارنة العادلة والموثوقة.
تطلعات المجتمع السعودي
تعد تطلعات المجتمع السعودي لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في شأن سوق الإسكان؛ كبرى ومشروعة في مجملها، ذلك أن الآثار السلبية التي نتجت عن التشوهات الكبيرة في السوق العقارية والإسكان، كانت مصدرا مقلقا جدا وذات تأثيرٍ سلبي على مستويات المعيشة بالنسبة للمواطنين، لم تقف فقط عند مجرد ارتفاع أسعار الأراضي السكنية والمساكن، ولا عند ارتفاع مستويات الإيجارات كما تبين أعلاه، بل انتقلت بآثارها السلبية الواسعة إلى أن تحولت إلى أحد أكبر مغذيات التضخم في أسعار السلع والخدمات في السوق المحلية، فكلما ارتفعت مستويات إيجارات الشركات والمؤسسات والمحال انعكست فورا على أسعار المبيعات، لتشكل دائرة واسعة وحلقة مفرغة من ارتفاع مستويات الأسعار، كان أول وأكبر ضحاياها المستهلكين مقارنة بغيرهم من الأطراف.
وعليه؛ يعد التفاف القرارات المرتقبة من مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، والداعمة لعمل وزارة الإسكان وبقية الأجهزة الحكومية ذات العلاقة، أؤكد التفافها حول محاربة التضخم المبالغ فيه لأسعار الأراضي والعقارات، وما نتج عنه من موجاتٍ تضخمية لاحقة، هو الجوهر الأهم لتلك السياسات والقرارات المرتقبة، وكونه المنهجية التي تعزز كثيرا من الاستقرار الاقتصادي، وتخدم في الدرجة الأولى أوجه التنمية المستدامة والشاملة للبلاد والعباد، وضرورة أن تتزامن مع أخذ أعلى درجات الحيطة والحذر من السماح بزيادة مستويات الائتمان المصرفي، وحماية الاقتصاد الوطني والقطاع المالي بالدرجة الأولى من ارتفاع مستوى المديونيات على المواطنين لأجل تملك المساكن، وتجنيب الاقتصاد والمجتمع للمخاطر الكبيرة التي ستترتب عليها تلك التوجهات، وهو ما أثبتته تجارب عديد من البلدان التي ذاقت ويلات ارتفاع الديون العقارية على الأفراد، ولنا فيما جرى نهاية 2008 من فصول الأزمة المالية العالمية جراء أزمة الرهن العقاري الأمريكية عبرة وعظة.
كما يؤمل أن تعمل السياسات المرتقبة من مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية على الحد من الأخطار المالية والاجتماعية والأمنية، التي ما استشرت في أي اقتصاد ومجتمع إلا كانت عنوانا رئيسا لتلاشيه وانهياره التام، وهي الاعتبارات البالغة الأهمية التي بدا واضحا جدا أنها راسخة بصورة كبيرة في صلب التوجهات الطموحة للمجلس، وهو ما يستحق الدعم الكامل من قبل الأطراف كافة، سواء من الأجهزة الحكومية ذات العلاقة، أم من كيانات القطاع الخاص، أم حتى من عموم الأفراد كونهم الطرف الأكثر استفادة من النتائج الإيجابية المتوقعة بمشيئة الله تعالى لتلك السياسات والقرارات المنتظرة.