ظهر مبدأ باريتو في عام 1896م وقد سمي المبدأ تيمنا بالاقتصادي الإيطالي فلفريدو باريتو، الذي نشر بحثا في ذلك الوقت أثبت فيه أن 20 في المائة من سكان إيطاليا يمتلكون 80 في المائة من الأراضي، وبالتالي ظهر مبدأ باريتو 20/80 الذي يوضح باختصار أن 80 في المائة من النتائج والتأثيرات يكون سببها 20 في المائة من الأحداث والمسببات، وقد استخدم المتخصصون في مجال الاستشارات الإدارية هذا المبدأ للبحث عن الحلول لأهم المشكلات، فمثلا بدلا من محاولة الترشيد المالي في كل عناصر مشروع ما فمن الأجدى البحث عن الـ 20 في المائة من العناصر التي تمثل 80 في المائة من تكاليف المشروع ومحاولة الترشيد فيها وإعادة النظر في تكاليفها. وعودة إلى الإسكان وقاعدة باريتو، ومن خلال اطلاع سريع على ميزانية الإسكان المذكورة في مستند برنامج التحول الوطني 2020م، يتضح أن الميزانية المرصودة خلال الفترة من 2016م حتى 2020 تعتبر الأعلى بين جميع الوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية، حيث بلغت 59.166 مليار ريال، ومع أن هذا المبلغ يمثل قرابة 24 في المائة فقط من مبلغ الدعم السابق “250 مليارا” إلا أن إعطاء الإسكان أعلى ميزانية مع الظروف الحالية يدل على عمق استشعار المشكلة، وأن الحل في أزمة السكن يبدأ بتوافر الدعم المالي الكبير من الدولة والتدخل المباشر في إعادة هيكلة السوق وإصلاح تشوهاتها، وذلك من خلال تجارب دول قامت بحل هذه الإشكالية عند تفاقمها مثل سنغافورة وبعض دول أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. ولتطبيق مبدأ باريتو على ميزانية وزارة الإسكان نلاحظ أنها موزعة على 21 بندا، ونجد أن ثلاثة بنود استحوذت على 51.55 مليار أي أن 14 في المائة من البنود حصلت على 87 في المائة من الميزانية.
في هذا المقال سأحاول سرد المعلومات حتى تتضح الرؤية للقارئ الكريم، وفي مقالات لاحقة سيتم التفصيل في كل بند، حتى أستطيع أن أوفيه حقه من التحليل، أما أول هذه البنود الثلاثة وأعلاها ميزانية كما ورد في مستند برنامج التحول الوطني هو برنامج الادخار السكني، الذي سخرت له الإسكان 20.05 مليار ريال، وجاء في نص المستند “برامج ادخار لتمكين المتقدمين من ادخار جزء من تكلفة تملكهم للمسكن المناسب”، وثاني البنود الذي حصل على 18 مليارا، نص على “تحفيز المطورين من القطاع الخاص من خلال إصدار تصاريح المسار السريع “بالتعاون مع وزارة الشؤون البلدية والقروية” وتقديم التمويل الضروري “بالتعاون مع المصارف الخاصة ومؤسسة النقد العربي السعودي”، وذلك بهدف تطوير مشاريع سكنية بأسعار معقولة على الأراضي الخاصة والحد من النفقات الرأسمالية التي تتكبدها الحكومة”، وثالث البنود، الذي سخرت له الوزارة 13.5 مليار، الذي نص على “عقد شراكات مع مطورين من القطاع الخاص، لاستغلال الأراضي الحكومية، وبالتالي تطوير مشاريع سكنية واسعة النطاق بأسعار معقولة”، ومن خلال إيضاح أغلب الأموال أين ستذهب وكيف يتوقع أن يتم صرفها، يتضح منطقيا ما أولويات “الإسكان”، وكيف تريد توجيه سوق العقار السكني.
أما بالنسبة إلى برنامج الادخار، فقد جعلته الإسكان ثاني مسار من مسارات التملك الأربعة، وقد وضح موقع وزارة الإسكان أن أهم هدف لهذا البرنامج هو توفير الدفعة الأولى للتمويل العقاري، وأن مميزات البرنامج متاحة لجميع فئات وشرائح المجتمع، وتقوم فكرة البرنامج على اقتطاع مبلغ شهري من دخل المشترك خلال ثلاث إلى خمس سنوات، ويحصل المشترك مقابل اشتراكه على دعم يرواح بين 25 في المائة إلى 150 في المائة من إجمالي الادخار، أما البندان اللاحقان فيتمحوران حول الشراكة مع القطاع الخاص لتطوير الوحدات السكنية المطلوب إنجازها حتى 2020م، إما عن طريق استغلال الأراضي المملوكة لأشخاص أو شركات خاصة، وإما عن طريق تطوير الأراضي الحكومية والمتوافرة لدى وزارة الإسكان والجهات الحكومية الأخرى، وهنا يتضح نقل موضوع التطوير للوحدات السكنية إلى القطاع الخاص ومحاولة إشراكه في عملية توفير الوحدات السكنية لغرضين أولهما توفير النفقات الرأسمالية على الحكومة، والثاني إيجاد منتجات سكنية بأسعار معقولة لتغطي حاجة الـ 75 في المائة من الراغبين في التملك، الذين لا تتوافر منتجات سكنية حاليا تتوافق مع دخولهم.
الخلاصة، هذه البنود التي تستحوذ على 86 في المائة من ميزانية الإسكان حتى 2020م، بحاجة إلى تفصيل وإيضاح أكبر من قبل وزارة الإسكان، ولا سيما برنامج الادخار الذي استحوذ على 34 في المائة من الميزانية. حيث ذكرت صحف محلية تصريح مستشار وزير الإسكان والمشرف على برنامج الادخار السكني قبل ثمانية أشهر وتحديدا في شهر مايو 2016م بأن مسودة تنظيم الادخار السكني تتم مناقشتها في هيئة الخبراء، وهي الآن في مراحلها النهائية، وحتى الآن لم تظهر أي تفاصيل للبرنامج وكيفية الاشتراك فيه، مع أنه برنامج مهم ويعزز مبدأ الادخار والتخطيط المالي لدى الأفراد، وأخشى أن يكون مصير هذه البرامج التأخر، والوقت يدهمنا، ولم يعد هناك متسع من الوقت لتحقيق الأهداف حتى 2020م.
5 فبراير 2017