الحديث عن مبدأ العرض والطلب كمحرك رئيس للأسواق يجب أن ينظر له بشكل مفصل لكل قطاع، حيث يمكن معرفة التوجهات المستقبلية ودراسة التغيرات الحالية في ذلك القطاع، قد تتوافق العوامل المؤثرة في العرض والطلب بين مجموعة من القطاعات على مستوى الاقتصاد الكلي، لكن تختلف المؤثرات على مستوى القطاع نفسه، بل قد تختلف في الأسواق الفرعية فيه، فنجد أن العوامل المؤثرة في سوق العقارات المكتبية تختلف عن الأسواق التجارية (المولات) ومحال التجزئة، وتختلف كذلك عن العقارات السكنية، لذلك من الضروري عند الحديث عن توازن العرض والطلب دراسة السوق المقصودة بعناية ومعرفة المؤشرات المتعلقة بها، وبالتالي اتخاذ القرار المناسب.
أما المعروض في سوق العقار السكنية، فيمكن تصنيفه وفقا للمدة الزمنية المطلوبة، فالمعروض على المدى البعيد يتضمن جميع الوحدات المتوافرة حاليا مع ما سيتم بناؤه لاحقا على المدى البعيد، ولا تعتبر أداة مفيدة لتحليل وضع السوق الحالية للمستثمر أو المطور، لكنها مهمة على مستوى متخذي القرار في الحكومة لوضع خطة استراتيجية للإسكان وخريطة طريق واضحة لزيادة المعروض في السوق لمواكبة الطلب المستقبلي، بينما المعروض الحالي يتضمن جميع الوحدات المتوافرة في السوق حاليا، أما المباني الجديدة فتشير إلى ما تم ترخيصه من وحدات سكنية يتوقع أن يتم إنجازها خلال 12 إلى 24 شهرا، لذلك لا يمكن حصر المعروض الحالي بما يتم عرضه للبيع فقط في السوق أو ما سيتم بناؤه خلال فترة قريبة، بل كل وحدة سكنية متوافرة وقابلة للسكن تدخل من ضمن المعروض الحالي، وهذا غير مستغرب إذا علمنا أن في بعض الأسواق كبريطانيا مثلا حجم المبيعات للوحدات السكنية المستخدمة والمعاد تأهيلها تمثل 80 إلى 90 في المائة من إجمالي مبيعات الوحدات السكنية، كما أشارت دراسة في مجلة اقتصادات الإسكان إلى أن الوحدات السكنية المستخدمة والمعاد تأهيلها فنيا تعتبر الحل الأمثل لذوي الدخل الأقل من المتوسط، ولكن من المهم تصنيف المعروض الحالي، وذلك بوضع تعريف واضح للوحدة السكنية يناسب متطلبات العصر والظروف البيئية للسعودية، وحتى يتضح حجم هذا المعروض، من المهم دراسة عدد الأسر وحجمها في كل مدينة رئيسة لتحديد الفائض والاستفادة منه أو النقص ومحاولة سده بتحفيز العرض.
أما تحفيز العرض فيكون بتوافر عناصر إنتاج المشاريع العقارية بأقل تكلفة ممكنة، وهذه العناصر هي الأراضي واليد العاملة ومواد البناء ورأس المال، ففي حال ارتفاع تكلفة هذه العناصر سيؤدي ذلك إلى تقييد هامش الربح للمطور، الذي سينتج عنه إحجام المطورين، والابتعاد عن السوق، أو محاولة رفع الأسعار بشكل متسارع حتى يتمكن المطور من الحصول على هامش الربح الذي يحفزه على الإنتاج، وفي سوقنا السعودية نجد أن هناك خللا في طريقة حساب مشاريع التطوير بالبدء بسعر الأرض، ثم إضافة بقية التكاليف عليها وهامش الربح لإيجاد سعر الوحدة السكنية، وذلك بعكس المتعارف عليه في الممارسات السليمة في مجال التطوير العقاري، وهو بالبدء بمعرفة أسعار الوحدات السكنية وتحديد القدرة الشرائية للشريحة المستهدفة ثم خصم جميع التكاليف وهامش الربح للمطور والقيمة المتبقية، بعد ذلك ستكون قيمة الأرض العادلة، وهنا يتضح لنا الخلل في الممارسة عند البعض، الذي حصل خلال السنوات المنصرمة على مستوى التطوير والتمويل العقاري للوحدات السكنية، وهي طريقة التسعير باحتساب سعر الأرض السائد كأساس، ثم إضافة بقية عناصر الإنتاج وهامش الربح لسعر الوحدة، لتنتج لدينا سوق متسارعة النمو في أسعارها تماشيا مع تسارع ارتفاع قيمة الأرض دون وجود قوة شرائية توازي هذه الارتفاعات من قبل المستخدم النهائي.
الخلاصة، تحفيز العرض يتم أولا بتعريف الوحدة السكنية بشكلها العصري، ثم بمعرفة حجم وتفاصيل المعروض الحالي، ولا سيما في المدن الرئيسة ومدى جدوى إعادة تأهيل الوحدات التي يمكن إعادة تأهيلها فنيا أو إعادة تأهيل مناطق كاملة في حال كانت وحداتها السكنية لا تتوافق مع التعريف العصري، ثم بتطبيق حزمة الأنظمة بداية برسوم الأراضي لضبط سوق الأراضي ومعالجة ارتفاع الأسعار, ثم ببرامج تسهل على المطور إنتاج الوحدات السكنية ذات المواصفات الفنية العالية بدءا من سهولة استخراج التصاريح وتعاون الشركات الخدمية لإنجاز العمليات بسرعة أكبر، حيث يعاني الكثير من المطورين تأخير ومماطلة الجهات الرسمية والشركات الخدمية التي من المفترض أن تكون معينا للمطور لا أن تعقد مسعاه نحو الإنتاج، ثم محاولة إيجاد الوسائل المناسبة للتمويل العقاري للمطورين، حيث تسهل عملية التطوير وإمكانية الإنتاج بكميات عالية خلال وقت وجيز، وهذه الأنظمة تشكلت واتضحت نظريا، ووزارة الإسكان تتبناها، لكن تحتاج إلى تنفيذ فعال وخطوات جادة ومتابعة دقيقة لتحفيز المعروض على المديين القريب والبعيد.