أثناء أوقات الركود في الأسواق يبدأ الكثير في نفض الأوراق القديمة وإعادة النظر في أساليب الاستثمار وهذا ما يعرف بالتكيف مع المتغيرات وهو أمر صحي ومهم لكل مستثمر يرغب في الاستمرار كلاعب مهم في السوق، وهذا بلا شك ينطبق على الاستثمارات العقارية ومحافظها التي تحتاج إلى خطوات عملية وعلمية لإدارتها بكفاءة وتحقيق أهدافها الاستثمارية.
في بداية بناء المحفظة العقارية لا بد من إعداد وثيقة الاستثمار التي من المفترض ألا يطرأ عليها تغيير على المديين القريب والمتوسط، لأنها البوصلة التي ستعمل إدارة المحفظة على اتباعها لتحقيق الأهداف الاستراتيجية، وفي هذه المرحلة لا بد من صياغة رؤية المحفظة ورسالتها، والأهداف الاستثمارية والتوجهات الأساسية للمحفظة مثل مستوى المخاطر التي ستتحملها المحفظة، وهذا مرتبط بشكل مباشر بنوع المستثمرين وتقبلهم للمخاطر، ويمكن تصنيفهم بشكل عام إلى:
متجنب للمخاطر أو متحفظ، وهو الذي يفضل الاستثمار ذا المخاطر المنخفضة ويرضى بعوائد أقل، والنوع الآخر وهو المحايد، الذي يحاول الموازنة بين العوائد والمخاطر، ولا يمانع بقليل من المخاطرة مقابل عوائد أعلى، والنوع الأخير من المستثمرين هو المحب للمخاطرة، وتجده على استعداد لتحمل مخاطر أكبر مقابل العوائد العالية، ولذلك لابد من معرفة نوع المستثمر المالك للمحفظة لوضع تصور واضح عن مستوى المخاطر وبالتالي رسم حدود الاستثمارات والعوائد المتوقع تحقيقها.
الخطوة التالية تتمثل في رسم استراتيجية الاستثمار ومن أهم عناصرها تحديد العوائد المتوقعة التي تتطلب وجود مؤشرات من السوق لتحديدها من كل منطقة جغرافية، ولكل استراتيجية استثمار عقاري، ولكل قطاع من المتوقع الدخول فيه، وهذا لابد أن يرتبط بوثيقة الاستثمار التي حددت مستوى المخاطر التي تناسب مالك المحفظة، وبناء عليه ستتوزع الاستثمارات العقارية بين استراتيجيات الاستثمار العقاري المختلفة بدءًا من:
المتحفظة، التي تركز على عقارات مدرة للدخل في مواقع استراتيجية ومؤجرة بعقود طويلة المدى لمستأجرين ذوي ملاءة عالية ولذلك ستكون هذه الاستراتيجية الأقل عائدا لكنها الأقل مخاطر، ثم المتحفظة جزئيا وهي التي تركز على عقارات مدرة للدخل لكن في مناطق ناشئة وقطاعات مستجدة ومستأجرين متوسطي الملاءة، ثم استثمار القيمة المضافة الذي يركز على عقارات تحتاج إلى إعادة تأهيل وتحديث ليتحسن دخلها وترتفع قيمتها، وأخيرا اقتناص الفرص وتعد من أعلى الاستثمارات العقارية مخاطرة وتركز على التطوير العقاري وإنشاء مشاريع وعقارات جديدة وتعتمد بالدرجة الأولى على ارتفاع قيمة العقار خلال مراحل الإنشاء وبعد الإتمام، ولذلك لا بد أن تركز المحفظة على أن ترسم استراتيجيتها التي توازن بين العوائد والمخاطر التابعة لكل استراتيجية وهذا كله كما أسلفنا لا بد أن يرتبط بمستوى المخاطر التي تم تحديدها في وثيقة الاستثمار سابقًا.
تحديد آلية الاستحواذ وأساليب الاستثمار المختلفة، وفي هذه المرحلة لا بد من وضع آلية واضحة للاستحواذ والتخارج وطريقة اتخاذ القرارات التي تخدم استراتيجية المحفظة وتكون على شكل لائحة داخلية يلتزم بها فريق العمل في المحفظة، ومن أهم الأخطاء التي تحصل في هذه المرحلة إهمال نقاط الضعف والقوة لدى مالك المحفظة، فمثلاً قد يتوجه ملاك المحفظة للتطوير العقاري وليس لديهم أي إمكانات وخبرة في هذا المجال وسبب إقدامهم على هذا الأمر وجود الكثير من الأراضي التي يملكونها، وهنا ستكون مخاطر التنفيذ عليهم عالية، ولذلك قد يكون من الأجدى في حالة ضعف الخبرة الفنية في الإنشاءات والتطوير الدخول في مشاريع مشتركة Joint Venture مع مطورين محترفين ويمكن مع الوقت بناء خبرات فريق العمل للمحفظة في مجال التطوير، ومن المهم كذلك قبل اتخاذ القرار الاستثماري عمل الدراسات اللازمة ولا سيما دراسة أعلى وأفضل استخدام للعقار الذي يوضح أفضل الإمكانات والعوائد المتاحة للمستثمر.
كذلك عند الإقدام على الاستحواذ لابد من توضيح الهيكل الاستثماري المتعلق باتخاذ القرار في كيفية الحصول على التمويل المناسب للمحفظة ومشاريعها المختلفة، وقد تختلف هيكلة الاستثمار من عقار إلى آخر بحسب ظروف الصندوق، فكما أسلفت أنه من الأفضل الدخول في مشاريع مشتركة مع مطورين عقاريين في حال وجود ضعف في الجانب الفني والتطويري، وفي حالات أخرى قد يكون من الأفضل الحصول على تمويل من جهات مصرفية، وفي حالات قد يكون من الأفضل تأجير الأرض لمطور وفق محددات تتوافق مع وثيقة واستراتيجية المحفظة، وكل هذه القرارات لا بد أن ترتبط باستراتيجية الاستثمار وتنعكس إيجابا على العوائد المتوقعة للمحفظة.
الإدارة وقياس الأداء، وهنا يأتي دور الخبرة والتعمق في السوق لمتابعة المؤشرات العقارية والمؤثرة في المحفظة بشكل دوري ودقيق، ووضع أبرز مؤشرات القياس KPIS للمحفظة بشكل يسهل الوصول إليها ومتابعتها من قبل مالك المحفظة والإدارة التنفيذية، وفي هذا العصر تلعب التقنية دورا مهما لرفع كفاءة متابعة الأصول العقارية وإدارتها، بل إن تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence وتعلم الآلة Machine Learning بدأت تلعب دورًا مهما في تحسين أداء المحافظ العقارية وإعطاء تصور دقيق عن التغيرات الحاصلة في العقار نفسه من خلال تتبع المصاريف وإمكانية إدارة المرافق بشكل أكثر كفاءة باستخدام إنترنت الأشياء وكذلك عن محيط العقار والقطاع التابع له، مثلاً من الممكن أن تنبه هذه البرامج المستثمر أن إيجاره أقل من السوق أو أعلى منه وبذلك يستطيع اتخاذ القرار بشكل أكثر دقة وسرعة.