نظم مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني يوم الثلاثاء الماضي لقاء مثمرا وجيدا مع مسؤولي صندوق التنمية العقارية بحضور مجموعة من المتخصصين والإعلاميين وكتاب الرأي، ولعل من المناسب أن أشكر المركز على مبادرته الممتازة، التي يطمح من خلالها إلى رفع الوعي بأهم القضايا التي تدور في المجتمع، وكذلك محاولة تقريب وجهات النظر بين الأطراف المختلفة.
أما بالنسبة للندوة فقد وجدنا من القائمين على الصندوق تقبلا للأفكار والمقترحات ووعودا بإنجازها وأخذها في الاعتبار، ويمكن تلخيص أهم المحاور في وجهة نظري كالتالي
أولها: لماذا احتاج الصندوق إلى تغيير آلية عمله؟
وثانيها: ما تفاصيل البرامج والمنتجات المقدمة حاليا؟ وثالثها: كيف يمكن أن يطور الصندوق أداءه مستقبلا؟
أما سبب التغيير ومبدأه فلا شك أنه منطقي بالنسبة لي كمتخصصفع كامل المبلغ مباشرة من موارد الصندوق، وكذلك فإن نسب التعثر في السداد والمتأخرات الكبيرة ستقل بشكل واضح، لأن جهات التمويل ستتولى تحصيلها بشكل أفضل وأعلى كفاءة من الصندوق, أما فيما يتعلق بمنتجات الصندوق التي حاليا ستوفر الدعم الكامل لمن دخله أقل من 14 ألف ريال, وسيحظى الجميع بالدعم وفقا لما ذكره مسؤول الصندوق حتى من راتبه أعلى من 14 ألف ريال، لكن الدعم يتناقص حتى يصل إلى أن يتم دعم المواطن المقتدر بـ35 في المائة فقط من مرابحة التمويل.
وهنا الإشكالية التي تم طرحها من قبل أكثر من شخص من الحضور وهي أن معيار العمر لم يتم أخذه في الاعتبار مع أهميته بجانب معيار الدخل، وكذلك عدد أفراد الأسرة الذي يؤثر بشكل كبير في رب الأسرة ومدى تمكنه من توفير المعيشة المناسبة لأسرته مع الالتزام بقرض التمويل الذي قد يستقطع 50 في المائة من راتبه أو أكثر، كذلك لا بد من مراعاة الدعم الكامل لجميع المواطنين، لكن ما يتم اعتباره ليس وقت التقديم أو الأقدمية، وإنما مدى الحاجة إلى الاعتماد على المعايير الثلاثة الآنف ذكرها وهي الدخل, والعمر، وعدد أفراد الأسرة، وبهذه المعايير من الممكن توجيه الدعم الفوري للأكثر حاجة حتى لو تقدم متأخرا بينما المواطن المقتدر والأقل حاجة إلى الدعم فيمكن أن يصبر مدة أطول ولا يعتد بتقديمه المبكر، لأننا نتحدث عن أمر لابد أن تراعى فيه الأولوية بحسب الحاجة وليس الأقدمية، وكذلك من النقاط التي طرحت حول المنتجات الحالية بأنها تفتقد للمنتج الأساسي الذي كان يقدمه الصندوق العقاري على مدار الـ40 عاما الماضية وهو الإقراض لغرض بناء المنزل لمن يمتلك قطعة أرض، ووعد القائمون على الصندوق أن هذا المنتج يتم العمل عليه مع جهات التمويل ومحاولة إيجاد صياغة مناسبة له، وغالبا سيتم إطلاقه خلال الربع الأخير من 2017.
وهنا أستغرب أن يتم إيقاف العمل السابق وكذلك تعطيل من تم صرف بعض الدفعات لهم وإيقافها دون إيجاد البديل الفوري والمناسب, فليس للمواطن الذي بدأ مشوار بناء بيته ذنب في عملية إعادة هيكلة الصندوق، خاصة من تسلم الدفعات الأولى وأنجز بعض الأعمال الإنشائية، حيث كان من المفترض أن يتم الانتهاء من هذه الفئة قبل إلزامها بالتوجه لجهات التمويل التي لا يوجد لديها أصلا أي منتج تمويلي يتناسب مع احتياجات أصحاب البناء الذاتي.
وهنا إشكالية أجد أن كثيرا من الجهات الحكومية وقعت فيها, وهي محاولة بناء نموذج عمل مستدام ماليا بشكل متسارع أدى إلى تعطيل مصالح المواطنين الذين التزمت معهم سابقا بشكل محدد وواضح، وهذا بلا شك خطأ كبير، فلا بد من الموازنة بين بناء نموذج عمل مستدام ماليا وبشكل متدرج وكذلك محاولة تسيير الأعمال الحالية وعدم تعطيلها بشكل مفاجئ، خاصة فيما يتعلق بالمتطلبات الأساسية للمواطن مثل السكن، وكذلك من النقاط التي تم طرحها وجود فئة ليست بالقليلة من المواطنين الذين يعملون في منشآت لا تعترف بها جهات التمويل ولا تعتبرها ذات ملاءة مالية تحقق الاستقرار الوظيفي والاستدامة المالية للمواطن، ومن الأمثلة عليها المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ويتمثل الحل وفقا لمسؤولي الصندوق بإيجاد صيغة مناسبة لضمانات يقدمها الصندوق لجهات التمويل.
وهذه الضمانات يتم العمل عليها وإنجازها، وكذلك من المتوقع أن تكون جاهزة بحلول الربع الأخير من 2017, ومما تم طرحه على الصندوق أهمية وجود ما يعرفون بوسطاء التمويل السكني الذين يمكن أن يكونوا مستقلين عن جهات التمويل، بحيث يعملون على البحث عن أفضل الصفقات للمواطن الراغب في التمويل السكني من قبل الصندوق، وقد وعد القائمون على الصندوق بأن يتم تجهيز فريق الدعم الفني للقيام بهذه المهمة التثقيفية لكل مواطن يرغب في الحصول على تمويل وتوضيح كل النقاط له, كذلك تم اقتراح أن يتم استبعاد المواطن من موضوع سحب مرابحة التمويل منه ثم إعادته له لاحقا من الصندوق، وأن يكون هناك تفاهم مباشر بين الصندوق وجهات التمويل، بحيث يستقطع من المواطن أصل القرض فقط والأرباح يتم سدادها من الصندوق إلى جهة التمويل مباشرة.