بدأت الهيئة العامة للإحصاء في إصدار الرقم القياسي لأسعار العقارات منذ الربع الأول من عام 2015، وباتت تحدثه بشكل ربع سنوي، حتى الإصدار الأخير للربع الثاني للسنة الحالية 2018، ويعتبر نشر مثل هذا المؤشر أمرًا إيجابيًا لمراقبة وضع السوق العقارية وتحركاتها، وكذلك لرفع الشفافية فيها، وقد أولى المجتمع الدولي اهتماما بالغا بالمؤشرات العقارية للدول، وحثت مؤسساته المالية والاقتصادية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على أهمية توافر المؤشرات العقارية ولا سيما السكنية، وأهمية تحديثها بشكل دوري من قبل الجهات الرسمية والمؤسسات الخاصة، وقد أفرد صندوق النقد الدولي في واشنطن عام 2003 مؤتمرا متخصصا عن المؤشرات العقارية وعلاقتها بالاستقرار المالي، وقد طرح فيه عديد من أوراق العمل والأبحاث المنشورة على الموقع الإلكتروني للصندوق لمن يرغب في الرجوع إليها، وقد حفز هذا المؤتمر عديدا من الدول ذات الاقتصادات النامية على تبني مؤشرات عقارية توضح حالة السوق واتجاهاتها.
ووفقا للأبحاث والدراسات في هذا المجال، فقد أجمع كثير من الأوراق البحثية وكذلك المؤشرات في الواقع العملي على أن هناك نوعين من المؤشرات العقارية، هما: – المؤشرات البسيطة، وهي التي يتم حسابها بشكل مباشر للتوصل إلى التغير في الأسعار مثل المتوسط السعري أو الوسيط السعري لمدى زمني محدد ولمنطقة معينة وعقار محدد.
– نماذج الاقتصاد القياسي، وهي التي يستخدم فيها النماذج الاقتصادية ويراعى فيها المواصفات والخصائص للعقارات، ومن أبرزها نموذج التسعير الضمني Hedonic-price Model وهذا النموذج يعتمد بشكل رئيس على مدى توافر المعلومات الكمية والنوعية عن العقارات ليتم التوصل إلى التغير في أسعارها وفق مدى زمني محدد، أما النموذج الآخر فهو نموذج المبيعات المتكررة لنفس العقار، الذي يعتمد على متابعة تغير سعر البيع لنفس العقار بخصائصه الكمية والنوعية، وذلك للتوصل إلى التغير الحاصل في الأسعار.
وبلا شك فإن لكل من الطرق والنماذج أعلاه سلبياته وإيجابياته التي يجب أن تؤخذ في الحسبان، ولذا فإن هناك مواصفات مهمة للمؤشرات العقارية يجب أن تؤخذ في الحسبان، وقد وردت هذه المواصفات في بحث قام به البنك المركزي الهندي عند رغبته في إصدار مؤشر للعقارات السكنية في الهند، حيث أوضح أن المؤشر السعري الجيد يمكن الحصول على بياناته بموثوقية وتكلفة منخفضة، كما أنه يتوافق مع حاجة المستهدفين، ويمكن حسابه أتوماتيكيا وبشكل دوري، ومن المهم أن يعكس الواقع ويتم اختباره، ويجب أن يفصل على حسب المناطق الجغرافية والأنواع المختلفة للعقارات.
المتأمل للرقم القياسي لأسعار العقارات يجد أن هناك مشكلة في أول صفة للمؤشر الجيد، هي البيانات الخام التي يعتمد عليها في إصدار المؤشر، المعتمدة على بيانات وزارة العدل، التي أوضحت سابقا إشكالاتها في مقال بعنوان “البيانات العقارية”، ولذلك ظهرت لنا نتائج لا تعتبر منطقية مثل أن يكون معدل انخفاض أسعار الشقق السكنية أشد من معدل انخفاض أسعار الأراضي، وهذا لا يمكن أن يعتبر دقيقا خاصة لمن يمارس في السوق العقارية ويحتك بها ويحلل بيانات وزارة العدل بشكل صحيح، وسبب ذلك عائد إلى الخلط الذي يتم تحت تصنيف الأراضي في بيانات وزارة العدل وأخذ هذه البيانات بدون تعديل وتنظيف، الذي سيعطي فكرة أن تذبذب أسعار الأراضي أقل من أسعار الشقق وهذا غير سليم واقعيا ومنطقيا، وبهذا ينتفي توضيح المؤشر وضع السوق لأهم المستفيدين، وهم المواطنون الراغبون في التملك والمستثمرون والمطورون، وهذا يضعف من انعكاس المؤشر على واقع السوق كذلك. السؤال المهم بعد أن وضحنا بعض الإشكالات في الرقم القياسي لأسعار العقارات هو، هل يمكن الاعتماد عليه؟
والإجابة المختصرة هي أنه يمكن الاعتماد عليه لمعرفة توجه السوق العقارية بشكل عام، وهل هو في انخفاض أم ارتفاع، ومع وجود المشكلات في أصل البيانات التي تعتمدها فلا أنصح أن يتم الاعتماد على المؤشر في النسب المذكورة فيه سواء للمنطقة أو الاستخدام أو نوع العقار، وذلك لأن القاعدة في تحليل البيانات واضحة وهي Garbage in, Garbage out فإذا كانت المدخلات سيئة فلا بد أن تكون المخرجات سيئة ولا سيما إذا لم يتم تحسين البيانات وتنظيفها.
الخلاصة، الجهود التي تتم من الهيئة العامة للإحصاء ممتازة، لكن تحتاج إلى تقصي مكامن الخلل في البيانات للخروج بأرقام أكثر دقة وقربا من الواقع، كما أننا كعاملين في المجال العقاري ننتظر كثيرًا من المساهمة من الهيئة العامة للعقار في هذا الموضوع ولا سيما بعد الاتفاقية التي وقعتها مع وزارة العدل حول تحسين البيانات العقارية، كما أن الخلل الحاصل في الرقم القياسي لأسعار العقارات لا يجعله غير قابل للاستخدام أو الاستشهاد، لكن أرى أن حدود استخدامه يكون في توضيح التوجه العام للسوق العقارية، لكن لا أعتقد من الحكمة والصواب أخذ التفاصيل الواردة فيه كنسب لكل نوع عقار، واستخدام والاعتماد عليها في قرارات الشراء أو البيع أو الاستثمار، لأنها مؤشرات استرشادية ونطاقها الجغرافي واسع، لأنها على مستوى مناطق المملكة، ولذلك إسقاطها على مدينة أو حي بعينه يعتبر خطأ، لابد من الحذر منه.