الكثير من الشباب الراغبين في التملك عندما تسأله عن نوع السكن الذي يرغب فيه يبدأ في وصف ما يعرف بمنزل العمر، وهي الفيلا الكبيرة التي سيستقر فيها طوال عمره وستكون مناسبة لحجم عائلته وغالبا ستكون أكثر بكثير من احتياجه الحالي والمستقبلي المتوسط المدى أي خلال سبع إلى عشر سنوات.
وهذه مشكلة حقيقية تحتاج إلى تغيير للثقافة وإعادة نظر، لأنها تكرس التأجيل البعيد المدى الذي يحتوي على مخاطر لا يمكن توقعها ومن أهمها التغير الكبير في الأسعار الذي يعني أن ما يمكن شراؤه اليوم بـ500 ألف لا يمكن أن تحصل عليه بعد 15 سنة إلا بمليون أو أكثر وهذه طبيعة الأسواق العقارية حتى المستقرة منها، تجد أنها على المدى البعيد تتصاعد فيها الأسعار مع وجود دورات انخفاض وارتفاع على المدى المتوسط، كذلك نجد أن التوسع العمراني المتسارع خاصة في المدن الكبرى بسبب الهجرة الداخلية من أبناء الوطن وكذلك العمالة الأجنبية لاقتناص فرص العمل، يؤدي إلى محدودية خيارات التملك في مناطق معينة قد تكون قريبة من الأهل والأقارب حاليًا ومكان العمل صعبة جدًا، بسبب اكتمال العمران بها وارتفاع سعرها لأنها تقع في مناطق مخدومة ومرغوبة من شريحة كبيرة. الحل يكمن فيما يعرف بـ المنزل المرحلي، وهو تملك المسكن في مراحل مختلفة تتوافق مع الإمكانات والاحتياجات، وهذان هما المحددان اللذان يحتاج رب الأسرة أن يضعهما نصب عينيه عندما يفكر في التملك، أولا أن يعرف إمكاناته ومن أهمها الأوضاع المالية ويدرسها بدقة، لأنها ستكون الأساس لتحديد السعر المناسب للمنزل الذي يمكن شراؤه بالتمويل.
وثانيًا، معرفة الاحتياجات الفنية ودراستها بدقة، وبالتأكيد الكل يتمنى أن يكون لديه منزل كبير وفيه كل المرافق والرفاهية، لكن هذا الأمر سيكون حلما ورغبة وليس احتياجا، وحتى إن ضغط البعض على نفسه لشراء شيء أكبر من احتياجه فسيرهقه ارتفاع المبالغ المطلوبة لتشغيل هذا المنزل الكبير من فواتير مرتفعة للكهرباء والماء وكذلك تكاليف الصيانة والتحسينات الدورية، التي تستنزف الكثير شهريا أو سنويا، لذلك لا بد من دراسة الاحتياجات التي تستند إلى عدد أفراد الأسرة وأهم المرافق المطلوبة قبل الإقدام على خطوة التملك.
في الدول المتقدمة التي تطبق فكرة المنزل المرحلي نجد أن متوسط عدد المنازل التي يشتريها رب الأسرة الذي يتبنى فكرة المنزل المرحلي هي ثلاثة منازل، حيث يكون المنزل الأول في فترة الشباب، ففي الولايات المتحدة نجد أن متوسط عمر من يمتلك السكن لأول مرة 32 عاما، وغالبا تكون شقة صغيرة تكفي لعائلة شابة في بداية حياتها حيث تغطي الاحتياج لمدة سبع إلى عشر سنوات، بينما المنزل الثاني سيكون بعد أن يزداد عدد أفراد الأسرة وبهذا تكون الحاجة إلى الانتقال لمنزل أوسع مساحة وأكثر رحابة لاحتواء جميع أفراد الأسرة، أما المنزل الثالث فيكون بعد التقاعد وبعد أن يصبح المنزل الثاني خاويًا من الأبناء لارتباطهم بأسرهم، فيأتي وقت الخروج لمنزل صغير، تتوافر فيه وسائل الراحة والرعاية، وبسبب الروابط الاجتماعية المقدسة بين الآباء والأبناء في مجتمعاتنا المسلمة فيمكن أن يتم دمج منزل العائلة والتقاعد في منزل واحد ذي تصميم وإنشاء مرن، يتم تصميمه كمنزل لأسرة كاملة تعيش مع بعضها كل الوقت، وفي الوقت نفسه يمكن أن يتم تقسيمه مستقبلا لوحدات مستقلة وبطريقة هندسية ليتمكن الوالدان والأبناء من الاستفادة من المبنى نفسه، وذلك بأن يكون منزلاً للتقاعد بالنسبة للوالدين ومنزلا أول بالنسبة للأبناء الذين يرغبون في البقاء بقرب والديهم برا بهم، وهذه إحدى الأفكار لتطبيق المنزل المرحلي دون الحاجة إلى انتقال وعمل تغيير كبير في الظروف الاجتماعية المحيطة بالأسرة.
الخلاصة، إحدى أهم فوائد المنزل المرحلي أن يتمكن الشخص من ضمان الاستقرار على المدى المتوسط، كما أن شراء المنزل في عمر مبكر يعد نوعا من الادخار لأن قيمة المنزل على المدى البعيد ترتفع ولذلك يمكن أن يكون المنزل الأول بالنسبة لرب الأسرة وسيلة للاستثمار بعد أن ينتقل للمنزل التالي، حيث يستفيد من الإيجارات لمساعدته على سداد التمويل للمنزل التالي والمصروفات الخاصة به، أو يبيع عقاره الأول ليمثل دفعة أولى جيدة للمنزل التالي، كما أن التملك المبكر سيعزز من إمكانية الدعم لأن الراتب لن يكون كبيرا في بداية الحياة الوظيفية ولذلك إمكانية الحصول على الدعم الحكومي كاملا ستكون متاحة، وعلى مستوى الاقتصاد سنجد أن ثروة أفراد المجتمع تتزايد بسبب تملك أصل عقاري أو أكثر، ولهذا من المهم أن تعي الجهات الرسمية فكرة المنزل المرحلي وتسن التشريعات المناسبة لدعم الشريحة الراغبة في تطبيقه، ومن ذلك أن يكون هناك إعفاء من ضريبة القيمة المضافة لأول منزلين يشتريهما المواطن وليس لمنزل واحد كما هو الحال الآن، كما يمكن أن تكون هناك برامج مخصصة لدعم المواطن الذي يعمل على التخطيط لـ”المنزل المرحلي”، حيث يتم توزيع الدعم على أكثر من وحدة سكنية، بهذا سنجد أن هناك تنوعا في الشرائح التي تمتلك المساكن ولا سيما من الشريحة الشابة في عمر 30 إلى 40 سنة، وهذا بلا شك سيعزز من نسبة التملك التي تطمح الدولة للوصول إليها حتى 2030، نظرا لعرض شريحة الشباب في السعودية.