التقنيات الحديثة وسرعة تطورها أثرتا على حياة البشرية سواء بشكل إيجابي أو سلبي، وهذا بالطبع لم يستثن قطاعات الأعمال المختلفة التي تأثرت بالتقنية وستتأثر بشدة مستقبلا، فكلما أصبح استخدام الأجهزة الذكية أكثر سهولة والاتصال بالإنترنت متاحا بشكل أفضل، فهذا يعني أن عددا أكبر من الناس سيتجهون لهذه التقنيات وسيكون لها تأثير في قراراتهم وسلوكهم، وحتى يتضح مدى حجم تأثير التقنية واستخدامها لنستعرض بعض الأرقام من تقرير هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات الصادر في 2015، الذي يشير إلى وجود 31.8 مليون مشترك في النطاق العريض في السعودية، وقرابة 20 مليون مستخدم للإنترنت بعد أن كان العدد نحو 16 مليون مستخدم في 2013، وهذا يعني نموا كبيرا في عدد المستخدمين للإنترنت والمتأثرين بالتقنية وتغيراتها المتسارعة، لكن ماذا عن القطاع العقاري وكيف ستؤثر فيه التقنيات الحديثة، مع معرفة أن سوق العقار يخدم أكثر من قطاع ويندرج تحته عديد من الأسواق الفرعية، لذا سنركز فيما يلي على أبرز القطاعات التي اتضح تأثير التقنية فيها.
التوسع الكبير للمتاجر الإلكترونية وكذلك النمو للزبائن الذين يفضلون التسوق إلكترونيا على مستوى العالم يشكلان تهديدا للعقارات التي يعتمد دخلها على تأجير محال التجزئة مثل مراكز التسوق والمعارض التجارية. وارن بافيت الذي يصنف ضمن الأنجح في عالم الأعمال عندما سئل عن المتاجر الإلكترونية وتسارع نموها قال “لو كانت لدي مجموعة من المحال التجارية ومراكز التسوق، فسأفكر مليا حول مستقبلها خلال السنوات العشر المقبلة، وهذا يدل على القلق من توسع المتاجر الإلكترونية وتأثيرها في التقليدية، أما في السعودية فيوضح تقرير هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات لعام 2015 أن نحو 22 في المائة من مستخدمي الإنترنت في السعودية قاموا بعمليات شراء أو طلب للمنتجات والخدمات عبر الإنترنت، كما يشير التقرير إلى أن أغلب البضائع المشتراة أو المطلوبة عن طريق الإنترنت تتركز في الملابس، والأحذية وملحقاتها وكذلك الحاسبات الآلية، والهواتف الذكية وملحقاتها، مع اعتبار أن سوقنا غير ناضجة في هذا المجال، فيا ترى ماذا سيكون الحال عندما تدخل شركات كبرى مثل أمازون وغيرها إلى السوق السعودية؟ لا شك أن هذا الأمر سيغير من هيكلة هذا القطاع بشكل كلي. هذا التغير سيؤثر إيجابا في العقارات اللوجستية، التي تساعد في رفع كفاءة سلسلة إمداد البضائع للمتاجر الإلكترونية، وتشمل المستودعات ومخازن نقاط التوزيع وغيرها، التي ستعتمد على التقنيات العالية في تجهيزها لتؤدي مهامها بشكل فعال يتيح سرعة وصول البضائع إلى العملاء.
كما أثرت التقنية في العقارات التي تعتمد على السياحة والفندقة على مستوى العالم، حيث أظهر تقرير شركة برايس ووترهاوس PwC للقطاع الفندقي في المملكة المتحدة، أن أحد أهم المخاطر التي تواجه الفنادق خصوصا ذات التصنيف “3 نجوم” وأقل هي التطبيقات الحديثة وخصوصا تطبيق Airbnb ، الذي يعطي المجال للشخص أن يؤجر أي مساحة إضافية يملكها في عقاره السكني، وذلك بالطبع وفر خيارات أكثر تنوعا وأقل سعرا لعديد من السياح وكذلك المقيمين لفترات قصيرة، وحاليا يحتوي التطبيق الذي تقدر قيمته بـ 30 مليار دولار على 1.7 مليون عرض في 190 دولة و34 ألف مدينة، ليخدم أكثر من 40 مليون مستخدم حول العالم.
وأوضح تقرير شركة ديلويت تحت عنوان “إعادة تعريف العقارات التجارية”، أن التوجه المستقبلي للشركات والأفراد سيميل بشكل كبير إلى اتباع منهج مرن، عن طريق العمل عن بعد والاعتماد على قياس إنتاجية الموظف بدلا من إلزامه بالحضور إلى مقر العمل، وهذا أوجد توجها جديدا لإعادة النظر في تصميم بيئة العمل، ما سيؤدي إلى التأثير في حجم الطلب على العقارات المكتبية، لأن التحسن المتوقع على المديين القريب والبعيد في وسائل التواصل وسرعة الاتصال سيحفز عديدا من الشركات للتوجه نحو التخلص من المساحات الشاسعة في مكاتبها والتوجه نحو اتباع سياسة العمل عن بعد.
كما نشاهد التقدم الملحوظ بما يعرف بالمساكن الذكية، التي بدأ التوجه نحوها خلال الفترة الماضية، وهذه الصناعة شهدت تطورا ملحوظا خلال السنوات الماضية، كما أنها أثارت اهتمام كبريات شركات التقنية مثل أبل، التي أطلقت تطبيقها الجديد Home أخيرا ضمن التحديث iOS 10، كما قامت بالتعاون مع شركات تطوير عقاري كبيرة لإضافة مميزات البيوت الذكية إلى منتجاتها السكنية، وهذا يعني مزيدا من الابتكار والاستثمار في هذا المجال الحيوي.
الخلاصة، مع وجود التقنية وتطورها، كثير من الأمور من حولنا ستتغير بشكل متسارع، وهذا يؤدي إلى الضغط على أصحاب الاستثمارات بشكل عام والاستثمارات العقارية بشكل خاص للتكيف معها أو الخروج من ميدان المنافسة، والقطاع العقاري هو أحد أهم القطاعات الحيوية التي لا بد أن تتكيف صناعته وخدماته مع المستجدات وهذا يتطلب متابعة للقطاع التقني لمعرفة المخاطر التي تهدده مستقبلا لتجنبها وكذلك المنافع التي من الممكن أن تخرج بمنتجات مبتكرة.