كنت مع مجموعة من الزملاء في زيارة لـ “بيت الابتكار” Home of Innovation في مركز سابك في جامعة الملك سعود الذي يُعد مثالا ناجحاً ومشجعاً للشراكة بين القطاع الخاص والجامعات. وأهمية الشراكات بين الجامعات والقطاع الخاص، فإنها ليست مجال اهتمام هذا المقال، ما يهمني هو نموذج “بيت المستقبل” المثير الذي قامت سابك بإنشائه مع شركائها المحليين والدوليين، وذلك لأهداف متعددة، منها تشجيع رجال الأعمال والشركات السعودية لتصنيع بعض مكونات بيت المستقبل المتعددة، بدلاً من الاعتماد على الاستيراد من الخارج، خاصة تلك المكونات المتعلقة بالطاقة (وتحديدًا الطاقة الشمسية)، أو التكييف، أو الإنشاء، أو العزل، أو الوسائل التقنية المتقدمة من أجهزة وحساسات وغيرها، ولا شك أن “سابك” تهدف من خلال إنشاء “بيت المستقبل” إلى إبراز أهمية منتوجاتها المتنوعة التي لا تكاد تخلو منها أية أجهزة أو مواد مصنعة من سيارات ووسائل اتصال ومواد بناء، ولكن الأهم من ذلك كله، تهدف “سابك” من خلال هذا النموذج إلى خدمة المجتمع السعودي من خلال إيجاد نموذج اقتصادي يحقق متطلبات الأسرة السعودية ويسهم في الحد من الاستهلاك المحلي من البترول الذي يصل إلى 3.4 مليون برميل يومياً، وكذلك تخفيض فاتورة الماء والكهرباء على المستهلكين.
يقع بيت المستقبل على مساحة 800م2، ويتميز بعديد من المزايا المذهلة والتقنيات المتقدمة التي يصعب حصرها في هذه المقالة القصيرة، ولكن يمكن إعطاء لمحة مختصرة. فمن أبرز مزايا “بيت المستقبل” أنه يعتمد على الطاقة النظيفة (الشمسية)، خاصة خلال النهار، مع إمكانية بيع الفائض من الكهرباء المولودة من خلال الطاقة الشمسية لشركة الكهرباء، كما هو معمول به في بعض الدول، وبوجه عام، فمن المتوقع أن يولد من خلال الألواح الشمسية ما يفي بالاحتياج السنوي وذلك بعد التكامل مع شبكة الكهرباء العامة، ويوفر 40 في المائة من استهلاك الكهرباء والماء في منزل مماثل مبني وفق “كود البناء” السعودي.
يتمتع “بيت المستقبل” بإمكانية تحويل مياه الأمطار والمياه الرمادية Grey Water لري حديقة المنزل، وهو ما يحد من استهلاك المياه بنسبة كبيرة، كما يوفر الماء الساخن عن طريق الطاقة الشمسية دون استخدام شبكة الكهرباء العامة. كما يتميز “بيت المستقبل” بجدران مختلفة تماماً عن المنازل الموجودة، إذ يتم إنشاء الجدران بعد وضع صفائح العزل من الداخل والخارج ثم صب الخرسانة فيما بينها، ليصبح الجدار عبارة عن خرسانة بين مواد العزل من الداخل والخارج، الأمر الذي يوفر عزلاً دقيقاً لا يقارن بالممارسات الحالية.
بيت المستقبل مجهز بالحساسات المتقدمة التي تتحكم في الإضاءة حسب ساعات النهار (الإضافة الخارجية) والحاجة إلى الإضاءة، إضافة إلى التحكم في التهوية والحد من التلوث من أجل توفير هواء نقي تفتقر إليه منازلنا الحالية، وهو ما يوفر بيئة منزلية مريحة وصحية من جهة، واقتصادية في الطاقة من جهة أخرى.
وفي ضوء ما رأيت، أقترح أن تكمل سابك عملها الجميل وتقوم بتنظيم برنامج توعوي للمواطنين من خلال انتقال بيت المستقبل إلى مناطق مختلفة، وكذلك عقد شراكات مع عدد من شركات الصناعة والتطوير العقاري من أجل الاستفادة من الأفكار الإبداعية وتطبيقها في منتوجات إسكانية ذات جودة عالية وفاعلية مرتفعة، مع تقديم خيارات من “بيت المستقبل” على هيئة فئات، بحيث تكون الفئة الأولى “عالي التقنية”، والثانية “متوسط التقنية” والثالثة “منخفض التقنية”. وإلى جانب ذلك هناك حاجة ماسة إلى تشجيع الشركات العالمية لدخول السوق السعودية لتبني نماذج عملية ومعقولة التكلفة، لتوفير خيارات جذابة أمام المواطنين، ومن ثم إيجاد منافسة تخدم السوق السعودية.
وأخيراً هناك حاجة ملحة إلى إعادة صياغة “كود البناء السعودي” وتحديثه ليتواكب مع التطورات المتسارعة والتقنيات المتجددة في مجال البناء، ثم تطبيقه بصرامة للحد من الهدر في الطاقة واستهلاك المياه، وكذلك الحفاظ على مدخرات الأسر من خلال ضمان جودة معقولة
22 يناير 2017