قضية الصكوك المزورة والتجاوزات في مدينة الجبيل التي بلغت 20 مليون م2، تجعل المواطن البسيط يعيش حالة أشبه ما تكون بالحلم، إضافة إلى حلمه بالمسكن، كما أنها تجعله يستوعب سبب التصريحات السابقة التي كانت تنص على أن هناك شحاً في الأراضي في مختلف مناطق المملكة. وتبدأ الفكرة تتبلور أكثر ويزداد الألم عندما يفكر بجدية وعمق من منطلق أن الحل للحصول على المسكن الهانئ عن طريق إعادة صياغة الفكر، وليس عن طريق الأرض أو القرض. وشخصياً زاد من ألمي عندما رأيت بين أوراقي ورقة صغيرة كنت أحتفظ بها منذ عام 1418هـ مكتوب عليها سجل رقم… ورقم الطلب… التي كانت توزع في حينها على المتقدمين لطلب منح الأراضي، التي كان من المفترض أن أبلها وأشرب ميتها، حين ألغي نظام منح الأراضي.
إن ما تقوم به وزارة العدل من كشف لهذه التجاوزات أمر يبعث على الاستبشار بالخير كون الحقوق سترد لأصحابها إلا أنه في الوقت نفسه يدعو إلى الحزن والتأمل لأن ما تم استقطاعه بغير وجه حق ليس وليد اللحظة ولا شهور بل سنين، وكما يقول بعضهم إن وزارة العدل تلعب بالوقت بدل الضايع وأنها جاءت متأخرة جداً -لأنه كما يقال الله ما يفضح من أول ذنب- في محاولة منها لحفظ ماء الوجه بعد أن استفحل الموضوع وفاحت ريحته، فالقضية ليست مجرد قضية منطقة أو مدينة بل المملكة بأكملها، سواء من جهة البر أو من جهة البحر بما يسمى قديماً بـ«المساكر» التي هي عبارة عن أرض يعتريها البحر مداً وجزراً، التي ضاعت فيها حقوق كثيرين بحجة عدم وجود صكوك لها أو أنها وجدت ولكن بعد تزويرها لآخرين وإن كان ملاكها الأصليون ممن يملكون بعض الوثائق كـ «القساميات» ونحوها مما هو متعارف عليه في وقتها. ولي مع قضية الصكوك ثلاث وقفات الأولى:
بينما نرى أن قضية الطائرة الروسية المنكوبة في شرم الشيخ قد تصدرت أغلب الصحف المحلية، تحليلاً، وتوثيقاً، وتحقيقاً، وهي لا تهم الشأن الداخلي، نجد أن قضية صكوك الجبيل المزورة بمساحات كبيرة جداً التي طالت بعض الأراضي المخصصة لجهات حكومية لم تأخذ الحيز الإعلامي الذي يليق بها وكأن القضية قضية مدينة فقط وليست قضية وطن ومواطن ووزارة!
ثانياً: المواطن يحتاج لإجابات عن تساؤلات كثيرة تدور في ذهنه عن هذه القضية، منها ما هي الجهات ذات العلاقة المباشرة بالقضية ومن هم الأشخاص الذين عملوا في تلك الجهات خلال تلك الفترة ومن هم جهات التحقيق ومنهم الملاك والأهم من ذلك ما هي مصير تلك المساحات الشاسعة وما دور وزارة الإسكان للاستفادة من القضية بشكل إيجابي، وهل هناك آليات مستقبلية للحد من هذا التلاعب والتزوير.. أسئلة كثيرة إجاباتها هي بالنسبة لكثير من المواطنين من الأهمية بمكان.
ثالثاً: الشيء بالشيء يذكر فبحسب صحيفة اليوم العدد 15488 الصادر يوم الثلاثاء 27 محرم 1437هـ فقد صرح مدير عام فرع وزارة الإسكان بالمنطقة الشرقية: «ما زلنا نبحث عن الحلول المفيدة لمعالجة النقص الشديد في الأراضي بمحافظة الجبيل وفكرة الاستفادة من أراضي القطاع الخاص لتوفير مبان متعددة الأدوار عن طريق شركات التطوير العقاري ونتمنى أن ترى أحد هذه الحلول النور قريباً نظراً لأهمية المنطقة وارتفاع معدلات العجز وقلة الخيارات». فهل بعد هذه الصكوك وهذا التزوير، يليق بوزارة الإسكان التعذر بشح الأراضي؟!