في زمان الطفرة الأولى، كان تملك العقار خارج الوطن خصوصًا في المدن الأوروبیة مثل: باریس ولندن وجنیف دلالة على الترف ورمزاً (وھمیاً) للتحضر والعصرنة، ثم تحولت الفكرة إلى مفھوم الاستثمار العقاري في الخارج؛ وكسب من كسب وخسر من خسر.. ومضت التجربة بحلوھا ومرھا.
خلال السنوات الأخیرة، ظھرت إعلانات عقارات تغازل ھذه المرة الطبقة الوسطى لشراء عقار خارج الوطن؛ في دول قریبة كالإمارات ومصر.. أو دول بعیدة كتركیا وأوروبا الشرقیة.
ھذه الإعلانات قد تروج لھا شركات أو مكاتب عقاریة، أو یروج لھا نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي -یبدون كأفراد من الطبقة المتوسطة، یظھرون العقار والحیاة في أحسن صورھا بأجمل المناظر وأرخص الأسعار، وكأنھا منتجع للأسر ومحطة أخیرة للمتقاعدین.
المفردة الثقافیة التي نجحت ھذه الشركات في إیصالھا؛ من خلال إعلاناتھا المباشرة كالاتصال الشخصي على الجمھور أو إرسال رسائل على وسائل التواصل الاجتماعي أو الإعلان في الصحف والمجلات المحلیة، أو إعلاناتھا غیر المباشرة من خلال نشطاء وأفراد عادیین یروجون للحیاة الجمیلة التي یعیشونھا والتي یمكن أن یعیشھا الفرد ذاته لو خاض نفس تجربتھم، المفردة الثقافیة ھي أن شراء العقار للعیش خارج الوطن تعتبر أمرًا عادیًا، بل ھي الفكرة الصائبة.
ھم یروجون للفكرة من خلال مداعبة الرغبات والأوتار الثقافیة الحساسة؛ مثل تشابه طبیعة المجتمعات، والجو التربوي الملائم، والحیاة المحافظة، وما یشابھھا من عزف على نفس المقام. وبعد أن ترسخ الحلم، الآن أصبح حقیقة جاذبة لكل الشرائح العمریة.
بالطبع ھم لا یتطرقون للمشاكل التي تواجه من یشتري العقار خارج أرض الوطن؛ مثل بیع العقار ذاته لأكثر من شخص، أو أنه بیع على الورق قبل الحصول على التصاریح اللازمة للبناء أو علیه مشاكل خاصة بالرھن العقاري، كأن تكون الأرض مرھونة أصلا، أو أن العقار في الحقیقة لا یطابق مواصفات عقد الملكیة لا من حیث المساحة ولا من حیث الموقع، أو أن العقار لا یستمر لأكثر من فترة حیاة المشتري لا یورث لورثته. كما لا أحد یشیر لقوانین الشراء الخاصة بغیر مواطني تلك البلدان ونسبة الفائدة والضرائب الشھریة والصیانة المفروضة علیھم.
ربما توجد أسباب تدفع الفرد لشراء عقار خارج الوطن، الأسعار المنافسة، الجو والطبیعة وتكلفة الحیاة الرخیصة؛ لكنھا تظل تجربة جدیدة ومختلفة تمامًا عن الشراء داخله وتحتاج للكثیر من الحرص والحذر والانتباه.