أظن أن فكرة التطوير الشامل للأحياء السكنية مقصورة عند غالب الناس في صورة حي مغلق يسكنه أجانب، او مجموعة متراصة من المباني المتشابهة، او مساكن لمحدودي الدخل. هذه الصور المذكورة وغيرها مما يتفق معها، هي صور منقوصة وخاطئة عن التطوير العمراني الشامل للحي او المجاورة السكنية.
مفهوم التطوير الشامل هو أعم وأشمل وأكثر فائدة للسكان من هذه الصور المنقوصة.
أن يقوم مطور عقاري ببناء حي سكني او مجموعة من المساكن المخدومة بالمرافق والخدمات العامة والخاصة بالحي، بدأ بتخطيط الحي بمرافقه المحيطة، وتصميم المساكن، وتنفيذ البناء كاملاً او مجزأً بحسب رغبة السكان، ثم البيع او تأجير المساكن، ثم الادارة وصيانة الحي. كل هذه الأنشطة مجتمعة تسمى التطوير السكني الشامل.
هذه العملية من التطوير هي مهام متعددة يديرها جميعاً المطور العقاري، يشترك في تنفيذها عدة أطراف كل طرف يقوم بعمله مكملاً للآخرين. فالمصمم يرسم شكل المساكن وشكلها الداخلي والخارجي، والمخطط يرسم ويحدد التصميم المحيط بالمساكن ومكونات الحي العامة وترابطها وجمالياتها، والمقاول ينفذ المباني ويعمرها، ومقاول الصيانة يعتني بالمشروع صيانة ونظافة بحسب عقده مع المطور او الملاك لاحقاً، اما المطور العقاري فهو صاحب التخطيط والقرار في هذه العملية كاملة وقد يدير المشروع بنفسه بعد اتمامه او قد يبيعه لمدير ممتلكات او مالك مستثمر آخر او حتى يباع المشروع مجزأ وقد يكون هذا الغالب في بعض المناطق.
تعدد مهام التطوير العقاري وتكاملها ليس عبئ على المطور كما يظنه البعض، بل هي فرص استثمارية لكل في مجاله. لذلك فالتطوير العقاري الشامل رغم تعقيده وطول مشواره الا أنه رحلة عمر استثمارية قد تنقل المطور العقاري من مرحلة الى مرحلة استثمارية أعلى بدرجات من المستثمر العقاري بالتجزئة.
بعد ما بينته جزئياً عن مفهوم التطوير الشامل، أعود لأؤكد على موضوعي الأساسي، وهو فائدة السكان أنفسهم من التطوير الشامل للحي.
الساكن عندما يشتري او يستأجر عقاراً من هذه العقارات المطورة لا يحصل على سكن فقط، بل يحصل بالإضافة الى سكنه الخاص على نصيب منفعة مشاع من المرافق العامة والخدمات التي يقدمها المطور في الحي. فالحي مكون من مساحات مفتوحة وشوارع ومرافق ومتاجر وانشطة مختلفة –بحسب حجم المخطط المطور- كل هذه العناصر المكونة للحي ينتفع بها مستخدم السكن.
من ينظر لبعض الأحياء الجديدة اليوم في مدينة مثل الرياض، يجد أن مالك السكن الذي قد يكون دفع الكثير ليحصل عليه، حين يعبر الحي ليصل الى سكنه، ينظر في ما حوله فيجد الشوارع مكسرة ومليئة بالحفر، ليس لها أرصفة فضلاً عن ممرات للمشاة، وإن كان المخطط مناراً، فهو غير مشجر، والمياه قد تجري في الشارع بين حين وآخر. قد تكون بعض الشوارع ضيقة، مزدحمة بالسيارات، والمواقف غير مخصصة… الخ. هل هذا هو الحي السكني الذي نريده!!!.
في رأيي أن يقوم مطور متخصص ومؤهل من قبل الجهات الرقابية، بالقيام بمهمة تطوير الحي والمساكن بشكل كامل –على أن يترك لكل ساكن اختيار شكل مسكنه- وتحت الرقابة والمتابعة، خير من أن يقوم أفراد غير مختصين ولا مجربين كل من جهته ببناء مسكنه “فقط”، ويترك باقي الحي غير مسئول عنه، ولا مأسوف عليه. ليست الفكرة جديدة ولا مبتكرة لكن الغالب من المستوطنات السكنية المتحضرة حول العالم تعتمد هذا الأسلوب وتستخدم هذا المنهج في التطوير.
قد يكون لتطوير الحي الشامل مساوئ في الرتابة والتكرار، لكنه دون شك خير من أن يبني الحي أصحاب المساكن الفردية ليس لهم من المؤهلات العلمية ولا العملية سوى أنه يبني السكن بناء شخصي.