من المبادئ الأساسية في الاقتصاد على المستويين النظري والعملي، أن أي سياسة تعود بالنفع على المجتمع يتعين تطويعها لمصلحة القطاع الأسري.
يعود أساس تلك النظرة إلى أنهم يشكلون 70 في المائة من التأثير في الناتج المحلي الإجمالي، لذا – وبطبيعة الحال – يجب دائما جعل قطاع الأسر متفوقا على قطاع المستثمرين، وفي الوقت نفسه، فإن بقاء تأثير جانب المستثمرين في نطاق 30 في المائة، أمر صحي، لأن تأثيرهم في معدل نمو الناتج المحلي لا يتخطى تلك النسبة، وأي اختلال بين النسبتين يؤدي إلى ركود مصحوب بمشكلات لدى المستهلكين في قوتهم الشرائية.
الرابحون دائما يتخذون مواقف أكثر صلابة وتشددا في سبيل عدم تعويض الخاسرين في العمليات الاقتصادية، إلا أن قرارات المنظم الاقتصادي تعد أمرا حاسما لمعالجة أي اختلالات اقتصادية، مثل الفقاعات السعرية أو غير الاقتصادية، كالاحتكار، بهدف المحافظة على لياقة القطاع العائلي الاستهلاكي وبقاء نسبة التأثر 70 / 30.
دعونا نرجع إلى جذر مشكلة العقار من الناحية السعرية، فهناك اعتقادات متجذرة حول أسعار العقارات لدينا في الاقتصاد السعودي، ويرجع ذلك إلى أن جميع الفوائض المالية، ولا سيما من أصحاب الرواتب المرتفعة في القطاعين العام والخاص وفوائض أموال المقاولين تم الدفع بها إلى شراء أراض سكنية كنوع من الاستثمارات المجانية والأرباح السهلة التي شكلت في وقت سابق فقاعة عقارية لم تنفجر بسبب قوة البنك المركزي الذي حد من المضاربات عبر تدخلات غير مباشرة.
ضعف العقار في مجالي التوظيف والمساواة الاقتصادية يجعلنا نراجع قرارات حقنه بالأموال، ولا سيما أنها أدت إلى نشوء فجوة بين السعر وقدرة المستهلكين على الشراء، ظهرت اليوم في صورة تمويلات مصرفية مرهقة جدا على المستهلكين وشكلت شللا استهلاكيا شبه كامل عند استقطاع 65 في المائة من الراتب، وهذا الخلل أدى إلى ضعف استهلاك الأسر المقترضة، كما أدى إلى خلل كلي لقاعدتنا الذهبية 70 / 30.
لإعادة التوازن، لا يتطلب منا سوى قدر بسيط من استخدام الضرائب أو بعض السياسات لرفع تكلفة استبقاء الأراضي السكنية من خلال ضريبة سنوية متصاعدة تضغط على المكتنزين والمضاربين للتخلص من الأراضي أو تحويلها إلى عقار قابل للتداول، أو تطبيق رسوم الأراضي البيضاء بشكل كامل، أو تقييد عدد صكوك ملكية الأراضي التي تزيد على ثلاثة صكوك بمساحات تزيد على ثلاثة آلاف متر متفرقة أو مجتمعة وإلزام أصحابها بالتحول التجاري والخضوع لسياسات التجارة أو صياغة سياسات بما يتسق مع قاعدة 70 / 30 لإبقاء المستهلكين في وضع اقتصادي أفضل يمكنهم من دفع النمو العام وتحقيق التوازن.
الخلاصة، الاستثمارات المجانية في العقار لا تزال تشكل تهديدا على الاستثمارات الصناعية والخدمية الأخرى، بسبب امتصاص السيولة وتقليص المنافع الاقتصادية وتراجع خبراتنا في القطاعات الحيوية غير العقارية.