
نعود إلى التفسير الاقتصادي .. لأسعار المساكن ارتباط وثيق بمعدل نمو الأجور والرواتب وحجم ميزانية الأسرة الاستهلاكية وتقلبات أسعار المعيشة.
نظريا لا يمكن الحصول على مساكن بهذه الرواتب المتواضعة، وعملياً لا أحد يريد أن يكون ضحية لقروض عقارية تمتد لثلث قرن من السداد المنتظم بعد خصم 60% من الراتب والمتبقي من الراتب 2000 ريال فقط لـ 73% من موظفي القطاع الخاص على سبيل المثال.
أسعار العقارات نمت بمستويات مرتفعة جدا حتى وصلت إلى عجز المستهلكين عن الشراء؛ لأن الأجور والرواتب لم تنمو بمعدل يوازي هذا النمو المفرط سعرياً لأن النمو كان مدفوع بمضاربات من ملاك الثروات الخاصة والصناديق والاحتكار الفردي والاستثماري.
الحل يكمن في استمرار الدعم الحكومي بمعدل أكبر من السابق؛ لأن السوق العقاري عاش فترة بدون تنظيم أو رقابة مما خلق لدينا حالة انتهازية من المضاربات الشرسة فرّغت الرواتب من قوتها الشرائية نحو المساكن، ببساطة التدخل الحكومي أصبح واجب؛ لحماية الأجور العامة والخاصة من فقاعة العقار والتي قد تؤذي القطاع المصرفي إذا تم الإقراض لفترات طويلة والتي قد تصل لثلاثة عقود – ولاسيما أن الضمان هو الراتب بشكل أساسي.
سيكون مبرر اقتصاديا رفع الأجور أو المطالبة ببدل سكن إذا لم تكن الحلول من الجهة المسؤولة عن ملف الإسكان كفاية أو غير فعالة لمعالجة فجوة الأسعار المتضخمة .
علينا إعادة العقارات إلى رشدها بقوة السياسات الاقتصادية، ولا أعتقد أن رفع الرواتب هو الحل المثالي في ظل انخفاض أسعار الطاقة، وتراجع نمو الاقتصاد إلى 1.2% وهو الأقل منذ 2011، مما سيلقي بظلاله على سوق المساكن وسيضغط على الأسعار وأرى أنه غير كافي لتمكين المواطنين من شراء مساكن، ما لم يكن هنالك طرف ثالث وهو المستثمر الأجنبي في مجال بناء المساكن “التطوير العقاري” ومواد البناء في حال فشل القطاع الخاص من إعادة توجيه استثماراته.
أما الحل الذي لا أفضله لاعتبارات منهجية في الاقتصاد ولكنه حل ناجع وسريع 100% .. أن تقوم الحكومة بخلق سوق موازي عبر شركة أو شركات حكومية لكل منطقة إدارية وتُبنى المساكن على أراضي مجانية مملوكة للدولة وذات بٌنية تحتية مطورة من الدولة، وترك القطاع الخاص ينمو بحرية في مجال المساكن الفاخرة و التجارية و الأبراج مع إلزام القطاع الخاص بتطوير مخططاته.
أعتقد أنها تسوية ترضي العقاريين وطالبي المساكن في المجتمع، مع ضرورة بقاء شرط البنك المركزي “مؤسسة النقد” إلزامية دفعة الـ 30% أو الـ 15% من قيمة المنزل الممول عبر القروض العقارية؛ من أجل حماية الجهاز المصرفي من الانزلاق نحو أزمة رهون عقارية مضمونة بالرواتب لما لها من ضرر اجتماعي كبير لو تحركت الفائدة صعودا أو ارتفعت تكاليف المعيشة العامة.
على هذا الأساس الشركة الحكومية ستقدم مساكن مدعومة لأصحاب الدخل المحدود جدا، والقطاع الخاص سيقدم مساكن لأصحاب الدخل المرتفع لأن خياراتهم ستكون مفتوحة. في تقديري الشخصي الإيجارات لن تتخطى 30% من الحد الأدنى للأجور سنويا على أعلى تقدير إذا تم العمل بهذا السيناريو وبذلك نحقق أهم هدف في الاقتصاد وهو حماية الطبقة المتوسطة وجعلها شريحة واسعة في اقتصادنا.