
في عالم الكيمياء تستطيع المواد التحول من شكل لآخر مختلف تماما ويمكن لها أن تختفي أيضا كما هو حال الماء عندما يتبخر في الهواء ويتلاشى. هذه الحالة للأسف لا توجد في عالم المال والأعمال، فأي قرار أو خطوة لن يتلاشى تأثيرها في منتصف الطريق أو تتوقف في المنتصف ليتحملها شخص واحد. بل تستمر حتى تصل لنهاية المسار التجاري وهو العميل عادة.
حساب الأرباح بشكل مبسط يكون بخصم سعر التكلفة (شاملا جميع المصاريف الإدارية والتسويقية) من سعر البيع. لذلك زيادة التكاليف ستضغط على الأرباح ما يعني زيادة سعر البيع في النهاية على العميل لتعويض الخسارة الحاصلة. السعودية في هذه الفترة تُجهّز الشباب والمجتمع للتوسع بأنشطتهم التجارية الخاصة والبدء بالإعتماد على التوظيف بالقطاع الخاص أو البدء بالعمل التجاري الخاص بالفرد بعيدا عن الإتكالية على الوظيفة الحكومية.
التاجر الصغير صاحب الأسرة يسعى للقمة عيشه مثله مثل الموظف في الحكومي أو الخاص ولا يمكن مقارنة وضع هؤلاء التجار الصغار مع الشركات والمؤسسات الخاصة الضخمة من حيث القدرة على تحمل القرارات الصادرة بحقهم تنظيميا من الجهات الحكومية أو الموردين المزودين لهم بالمواد الخام.
خالد.. صاحب محل تجزئة ومعاناته مع المؤجرين ليست معاناة فردية، بل يشترك فيها كل المستأجرين من المواطنين الصغار الذين يرغبون في الدخول في مجال التجارة. عقود التأجير بوضعها الحالي عقود عامة ليس لها حد أو منطق، فيختلف تفصيل عقد الإيجار من مُؤجر لآخر وتكون مليئة بالشروط التعجيزية والتي تكون في غالبها لصالح المُؤجر بحكم أن المستأجر صاحب الحاجة.
خالد زادت قيمة الإيجار على المحل الذي يقيم فيه تجارته الصغيرة من ٦٠ ألف ريال سنويا إلى ٨٠ ألف ثم ١٠٠ ألف ثم ١٨٠ ألف وتمت المطالبة بعدها بمبلغ ٢٥٠ ألف ريال وبعد تدخل الكثير تم القبول لتكون ٢٠٠ ألف ريال. وهذا كله تم خلال ١٠ سنوات فقط. وهذا يعني زيادة قيمة الإيجار بمتوسط ٢٥٪ تقريبا كل سنة وهو ما يساوي زيادة ١٠٠٪ بالتكاليف عليه كل ٤ سنوات. إذا كان هناك اعتراض على تحديد النسبة التي تزيد فيها أسعار الإيجار سنويا بحكم أن السوق سوق مفتوح ومن لا يرغب بهذه الزيادة يبحث عن بديل، فلماذا تتم المطالبة دائما بتدخل الجهات الحكومية لضبط أسعار المنتجات عندما يزيد سعرها على المواطن؟
التاجر الصغير الذي تزيد تكاليف الإيجار عليه سيكون أمام خيارين إما أن يزيد سعر المنتج على المستلم النهائي أو أن يبقي عليه ومع مرور الوقت يبدأ بالخسارة بسبب ارتفاع التكاليف عليه وثبات سعر البيع وهو ما يؤدي لخروجه من السوق خاسرا وخسارته ليس خسارة فردية وإنما يعني خسارة أسرة بأكملها من لقمة العيش وخسارة للمجتمع أن تم تعطيل فرصة نمو واستمرار أحد المشاريع الصغيرة، وهو ما سيدفع الشباب من جديد للتوجه للعمل الحكومي بدلا من تشجيعهم للبدء بتجارتهم الخاصة.
قيمة العقد ليست وحدها المشكلة، إنما مدة السماح لإنهاء العقد قبل إلغائه أو تجديده ظالمه، فصاحب المحل الذي يخسر على ترتيب المحل وديكوراته مبلغ كبير لن يكون من السهل عليه الإنتقال لمحل جديد عندما لا يعجبه السعر خلال فترة تنبيه بإخلاء المحل تصل أحيانا لأقل من شهر، لأن الإنتقال لمحل آخر يعني تكاليف طويلة من ديكورات حديثة للمحل ورخص الجهات الحكومية التي يجب السعي في إنهائها لتغير الموقع، ونقل وتخزين البضاعة في فترة الإنتقال والتسويق والإعلان عن انتقال المحل للزبائن. فيكون المستأجر عند زيادة قيمة العقد عليه حينها أمام خيارين أحلاهما مُرّ.
قصص خالد وأمثاله كثيرة، وقطاع التأجير السكني والتجاري في السعودية قطاع تجاوزه قطار التطوير منذ مدة ولم يتم تحديث أنظمته وعقوده لتحفظ حق الطرفين وتكون هناك صيغة تحمي حقوق التجار الصغار بحكم أن الشركات الضخمة تستطيع فرض شروطها بسبب سمعتها الكبيرة التي تجلبها لأي مكان تستأجر فيه. الفرد الذي يقرر الإستغناء عن العمل الحكومي ويبدأ بتجارته الخاصة لتوفير لقمة العيش لأبنائه، ما زال مواطنا له حقوق وعليه واجبات فليس كل من عمل بالتجارة جشعا نسعى لمحاربته ومحاربة جشعه!