الرسوم على الأراضي البيضاء هي واحدة من أهم القضايا التي تشغل المجتمع في المملكة، وقد تفاعلت مع هذا الموضوع المؤسسات التي لها علاقة بمختلف مستوياتها، إضافة إلى الاهتمام الحكومي على أعلى المستويات، وكان من آخر مظاهر هذا الاهتمام الدراسة والتصويت بمجلس الشورى على الرسوم على الأراضي، الذي أصبح أولوية ضمن القضايا التي يناقشها المجلس باعتبار أنها قضية ذات أهمية في المجتمع، وأخذ النقاش فيها وقتا طويلا نظرا للتعقيدات المتعلقة بموضوع يعتبر تطبيقه جديدا في المملكة.
منذ أن تم تحويل مشروع نظام الرسوم على الأراضي البيضاء إلى مجلس الشورى والكثير من أفراد المجتمع المهتم بمسألة الأراضي وكثير من أفراد المجتمع يرى أن هذا القرار سيكون سببا في تمكينه ـــ بإذن الله ـــ من شراء الأرض المناسبة له للسكن، ومع ذلك فإن الكثير يترقب ولدى البعض قلق من ألا يكون مجلس الشورى على المستوى ذاته من الاهتمام والعناية والتوجهات التي يميل إليها معظم أفراد المجتمع، إلا أن بعض المعلومات التي نشرتها بعض المؤسسات الإعلامية تشير إلى أن قرار مجلس الشورى بدأت تتضح معالمه وأنه يميل إلى فرض رسوم ثابتة على جميع الأراضي داخل النطاق العمراني بنسبة ثابتة بناء على السعر السوقي للأرض، سواء كانت الأرض مطورة أو غير مطورة، وهذا التوجه قد يدفع بالكثير من ملاك العقارات إلى اتخاذ قرارات مختلفة باعتبار التكلفة التي سيتكبدها ملاك الأراضي بسبب بقائها دون استغلال، حيث يتوقع أن يبدأ البعض في تسويق ممتلكاته من الأراضي البيضاء لبيعها، والبعض الآخر قد يميل إلى تطويرها وبنائها للاستفادة من عوائدها، ورغم أن البعض يتوقع أن تتسرب بعض الأموال من القطاع العقاري، إلا أن الاحتمال الآخر أنه ستتدفق كثير من الاستثمارات سواء العقارية وغيرها على المدن الرئيسة باعتبار أن أحد العوائق التي تواجه كثيرا من المستثمرين ليس فقط غلاء الأراضي، بل عدم وجود معروض من الأراضي المناسبة لكثير من المشاريع الاستثمارية والعقارية، ولهذا فإنه قد يجد هؤلاء في مثل هذا القرار فرصة للاستثمار، كما أنه يشجع تدفق المزيد من الأموال في المملكة، ويبقى السؤال هو كيف سيكون شكل الاقتصاد السعودي بعد فرض الرسوم على الأراضي البيضاء، وإلى أين ستتوجه أموال الذين سوف يعرضون أراضيهم للبيع بعد القرار؟
لا شك أن هذا سؤال مهم وبالتأكيد هو يدور حاليا في أذهان الجهات العليا في المملكة، خصوصا أن القطاع العقاري يشكل الاستثمار الأضخم والقيمة الأكبر في الاستثمارات في المملكة ومنطقة الخليج وقد يفوق كثيرا حجم الأموال والاستثمارات في قطاع البتروكيماويات، بل قد يكون أضخم من سوق الأسهم بالكامل، خصوصا بعد القفزات الكبيرة في أسعاره خلال الأعوام العشرة الماضية.
ملاك الأراضي البيضاء يختلفون في علاقتهم بالاستثمار، ففي الوقت الذي يمارس الكثير منهم أنشطة تجارية مختلفة ويجعل الاستثمار العقاري جزءا من هذه الاستثمارات ومساندا لها خصوصا في توسع أنشطته، فإن البعض الآخر قد يكون الأغلب في استثماراته الاعتماد على التوسع في تملك الأراضي دون استغلال جزء كبير منها، وهذه الفئة قد يمثل إقرار الرسوم على الأراضي إشكالية بالنسبة لها إذا ما قررت بيع أملاكها من الأراضي، ولذلك من المهم أن يكون لهذه الفئة بعض الخيارات التي يمكن من خلالها عدم الإضرار البالغ بهم وتحويل توجهاتهم الاستثمارية بصورة إيجابية ومن ذلك تشجيع هذه الشريحة إلى الدخول في شراكات مع مطورين عقاريين أو إنشاء صناديق استثمارية عقارية لاستيعاب استثماراتهم العقارية.
الرسوم على الأراضي قد يكون لها أثر متفاوت في الأنشطة الاقتصادية، فقد يكون لها أثر إيجابي في بعض الشركات كما أنه قد يكون سلبيا على البعض الآخر، وقد يكون لسوق الأسهم نصيب من هذه المتغيرات ففي الوقت الذي قد تتأثر بعض الأسهم العقارية سلبا على المدى القصير وإيجابا على المدى المتوسط نجد أن السوق نفسها قد تشهد نشاطا جيدا، والمراقب لنشاط سوق الأسهم في الظروف الاعتيادية يجد أنها تنشط كثيرا في حال الركود العقاري، والحالة التي قد نشهدها ليست فقط ركودا عقاريا، بل قد تشهد تسييلا لكثير من العقارات، وهنا تأتي أهمية العناية بمرحلة ما بعد الرسوم على الأراضي التي قد تشهد متغيرات اقتصادية.
فالخلاصة أن التوجه الذي أصبح شبه مؤكد هو أن إقرار التشريعات الخاصة بالرسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني بات قريبا، وهنا تأتي أهمية العناية بأثر هذه التشريعات في الاقتصاد والمستثمرين والعمل على توجيه الاستثمارات في الأراضي البيضاء إلى قنوات تمكنهم من تنمية استثماراتهم، وتعزز من نشاط الاقتصاد الوطني.