عندما يكون الحديث عن قضية تمس اقتصاد الوطن فيجب أن يكون المنطق حاضرا، عانينا كثيرا من القرارات الارتجالية، وغياب الرقابة والتنظيم والبدائل المحفزة للاقتصاد بشكل عام وللسوق العقاري بشكل خاص، واستمر الحال طوال عقود لسببين الأول ضعف أداء القطاعات الحكومية وغياب الرؤية والتخطيط، والسبب الثاني تقاعس القطاع الخاص الذي يتمتع بالمرونة والقدرة على الإسهام في برامج التنمية ولكنه كان خاملا ويفكر من طرف واحد هو المصلحة.
منذ أكثر من خمس سنوات والدولة حريصة على إنهاء أصعب أزمة تواجه المواطن وهي أزمة السكن، والقرارات الأخيرة والمتتالية الصادرة عن الجهات العليا تؤكد ذلك وآخرها قرار فرض رسوم على الأراضي البيضاء والذي أحيل من مجلس الوزراء إلى مجلس الشورى لدراسته وإقراره خلال 30 يوما.
الحديث هذه الأيام عن مشكلة السكن منطقي في ظل معاناة الكثيرين من عدم قدرتهم على تملك سكن يناسبهم، ومن هذا المنطلق فالأكيد أن تكون رؤية وزارة الإسكان وهدفها الرئيس خدمة المواطن وحمايته وتقديم الحلول والبدائل التي تمكنه من التملك.
ويبقى الأهم في تطبيق هذه الرؤية ألا تكون بمعزل عن السوق والعاملين فيه من مالك أرض ومستثمر ومطور وممول ومسوق وصاحب نشاط مرتبط بالسوق العقاري مثل المقاول والمهندس ومواد البناء.
لو عدنا إلى الوراء؛ حيث تم تطبيق الرؤية بمعزل عن السوق منذ تأسيس الوزارة قبل خمس سنوات لوجدنا أن النتيجة صفر ولم تظهر أي إنجازات أو مشروعات للوزارة رغم الدعم الكامل من الدولة وتوفير الأموال والأراضي والسبب في ذلك تهميش المطورين والمستثمرين والممولين واكتشاف ذلك متأخرا، لذا لابد من الموازنة بين مصلحة المواطن وحقه في السكن وعدم إغفال مصالح العاملين في القطاع.
كتبت وغيري كثيرا عن الحلول لمشاكل الإسكان والسوق العقاري طوال عقد من الزمن ولم نرَ تطبيقا لمعظمها، لكن هذه الأيام يظهر حرص وجدية القيادة وسعيها لحل الأزمة من خلال القرارات الأخيرة سواء برامج الإسكان أو الصندوق العقاري، وقرار رسوم الأراضي الذي يتوقع تطبيقه العام القادم. هذه القرارات ستظهر نتائجها خلال سنتين أو ثلاث وبالتدريج سنجد أن الأسعار والمنتجات العقارية ستنخفض وتصل إلى مرحلة التوازن التي تواكب القدرة الشرائية للمواطن وتوفر منتجات سكنية وأراضٍ بأسعار معقولة قد توازي أسعار عام 2006م.
لقد انتظرنا طويلا وليس من الإنصاف أن يكون هناك نقد سلبي وجارح مبني على العاطفة يظهر فشل برامج الوزارة والصندوق العقاري الجديدة، يجب أن ننتظر تطبيق هذه القرارات ومنح الفرصة الكافية للحكم على الأداء عطفا على النتائج وألا يكون حكمنا على أداء الوزير، والوزارة الجديدة في خمسة أشهر، لننتظر سنة أو سنتين على أقل تقدير ونرى مفعول هذه القرارات والبرامج بعد تطبيقها، حينها يمكننا الحكم.