للمملكة تجربة رائدة ومميزة في إنشاء مدن جديدة حيث تم إنشاء العديد من المدن الجديدة في حقبات زمنية ماضية، ولعل تجربة إنشاء المدينتين الصناعيتين في الجبيل وينبع هي الأبرز إذ ارتبط انشاؤهما ارتباطاً وثيقاً بأهداف اقتصادية وذلك بغرض استغلال الموارد الطبيعية الكامنة وتعزيز دور التنمية الصناعية في تنويع القاعدة الاقتصادية للمملكة من خلال زيادة القيمة المضافة للبترول الخام وتحويله إلى منتجات ذات قيمة تصديرية عالية.
أيضاً هناك مدن أخرى كأبقيق ورأس تنوره التي انشاؤهما في مواقع آبار البترول بهدف دعم أعمال استخراج البترول، وهناك مدن مثل عرعر ورفحاء نشأت في شمال المملكة كتجمعات سكنية لصيانة محطات ضخ البترول على امتداد خط التابلاين، ولا يتوقف الأمر على ذلك فحسب بل تم مؤخراً إنشاء مدينة وعد الشمال التي تقع شرق محافظة طريف بهدف استغلال الثروة التعدينية بالمملكة.
ومع الزيادة السريعة في النمو السكاني والتوسع العمراني وتركزه في عدد محدود من المدن الكبرى كالرياض وجدة والدمام وتركيز المشاريع الكبيرة فيها، والتأثيرات السلبية الناجمة عن ذلك من زحام وتكدس للأنشطة والوظائف والخدمات، فإن واقع الحال أصبح يتطلب البحث عن حلول لتخفيف الضغط التنموي عليها وتوجيه التنمية نحو المدن الثانوية القريبة منها أو التوجه نحو إنشاء مدن جديدة محاذية للمدن الكبرى بحيث يتم فيها توفير الخدمات الأساسية ويتم ربطها بشبكة طرق ونقل عام ليستفيد ساكنيها من الخدمات الرئيسية الموجودة بالمدن الكبرى على غرار ما قامت به دول مشابهة ككوريا الجنوبية وفرنسا بإنشاء مدن جديدة لتخفيف التركز السكاني والتنموي وتوجيه التنمية العمرانية والاقتصادية نحو مدن جديدة قريبة من المدن الكبرى وترتبط معها بشبكات النقل، كما أن بعض الدول تبنت إنشاء مدن جديدة لأغراض مختلفة فمنها ما تم إنشاؤه لإقامة مؤسسات تعليمية وبحثية أو خدمات طبية متقدمة كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية والبعض الآخر استهدف تعزيز التنمية الصناعية وتخفيف التباين التنموي بين الأقاليم كإنجلترا. فهل سنرى من خلال الخطط العمرانية المستقبلية تشجيع إقامة مدن جديدة محاذية للمدن الكبرى ترتكز على قواعد اقتصادية لتخفف الضغط التنموي على تلك المدن الكبرى وتحد من تيارات الهجرة المتجهة إليها.. أتمنى ذلك.