قد تسكن قصراً، تستقبل به ضيوفك، وتعيش فيه بقية حياتك، لكنه ليس لك! الملكة اليزابيث هي ضيفة في قصر باكينغهام، فالقصر ملك الدولة، وليس ملكا خاصا بها.. هذا ليس سراً بل معلومة متاحة للجميع.
في عام 1988 صدر قانون يتيح للشعب البريطاني خصوصاً، والعالم عموماً، أن يطلع على اسم المالك لأي عقار في بريطانيا مقابل رسم بسيط. وتطور الأمر لاحقاً، ليصبح متاحاً للجميع على الإنترنت ومن أي مكان في العالم! في بريطانيا هناك 22 مليون ملكية عقارية، 13 مليوناً منها ملكية مسجلة رسمياً في السجلات العقارية، أما التسعة ملايين المتبقية فهي ملكيات قديمة لم تجر عليها تداولات حديثة تتيح تسجيلها في السجلات الحديثة.
السرية والدكتاتورية
المعرفة حق للجميع، ولا تكتمل ديموقراطية من دون حق الشعب في الإطلاع والسؤال. تطالب بعض الحكومات رجال الأعمال وأصحاب الثروات لديها بالإفصاح عن ثرواتهم، درءاً لشبهات غسل الأموال أو الانتفاع غير المشروع، أما في الكويت فالشعب في أمس الحاجة الى أن تفصح الدولة عن كل ما خفي علينا، وعلى رأس ذلك كل ما يدور من خفايا في عالم العقار.
يحق لنا أن نتساءل، فنحن شركاء في المسؤولية، ويجب على الدولة أن تعلن وتفصح. الدولة هنا هي الشركة، ونحن المساهم والمراقب. ولا تكتمل الشراكة من دون حق المساهم في الاطلاع والعلم، ولا تكتمل المعرفة من دون توافر أدوات الحصول على المعلومة. السرية صورة من صور الدكتاتورية، ونقص المعلومات صورة أخرى للجهل. تتقدم الدول بالشفافية المطلقة، وتتخلف حين يسود القمع الفكري.
هل يحق لنا أن نسأل؟
هل يحق لنا أن نتساءل؟ هل يحق لنا أن نقرأ ونحلل ونشخّص؟ إذا كان كذلك، فالشعب يريد أن يعرف كل شيء عن أسباب الأزمة السكنية، وهل هي أزمة عقار أم ازمة احتكار؟ الشعب يود أن يعرف من يحتكر الأراضي السكنية في الكويت، وعدد الأراضي التي يمتلكها، وتاريخ الامتلاك، وآلية التملك وثمن الشراء؟ وعدد سنوات الاحتكار؟ وما هي الرسوم التي دفعها للدولة نظير هذا الاحتكار؟ وما الأرباح التي جناها نظير احتكار تلك الأراضي؟ يحق لنا أن نسأل: ما هي الإجراءات التي قامت بها الدولة لتخفيف أو منع الاحتكار؟ وما مدى فاعلية تلك الإجراءات، أو بالأحرى ما مدى صرامتها؟ هل طبقت الدولة أي ضرائب على محتكري العقارات السكنية؟ كضريبة الارتفاع على قيمة العقار أو ضريبة الأراضي البيضاء؟
لقد هرمنا ونحن ننتظر حلاً للأزمة الإسكانيه من دون أن نعرف سببها؟ في السابق كان عيباً أن ترى من يؤجر شقة في بيته، وأتى اليوم الذي أجرنا البيت كله وسكنا في الملحق. كانت بيوتنا لا تقل مساحتها عن الف متر مربع، أما اليوم فأنت محظوظ لو تملكت %30 من هذه المساحة. عندما ارتفع معدل سن ملاك البيوت البريطانيين من 28 عاما إلى 30 عاما اهتزت بريطانيا ودق جرس الإنذار، أما في الكويت فنحن لا نعلم ما هو عمر مالك البيت لأول مرة، لأننا لا نملك معلومة. ولكن لسنا بحاجة الى هذه المعلومة لأننا نعلم أن الرجل الصغير قد شاخ وهو ينتظر بيته.
الخاتمة
السكن ليس جزءاً من الرفاه، بل هو أصل من أصول الحياة كالماء والهواء. حق السكن للإنسان كحقه في التعلم وفي إبداء الرأي وفي السفر، وفي كل حقوقه الإنسانية. نؤيد بشدة النظام الرأسمالي والحرية التجارية، ولكننا نرفض بشدة المساس بخبز الشعب ومسكنه، يجب على الشعب، وهو في أغلبه متضرر من الأزمة الإسكانية، أن يطالب بحرية المعرفة والاطلاع، على ممثلي الشعب أن يشرعوا قوانين تتيح معرفة كل ما يجهله، العلم بداية تشخيص المشكلة وأساس اقتراح الحلول، والجهل اساس التخلف. نود أن نعرف كل شيء، وحدود معرفتنا يجب بأي حال من الأحوال ألا تكون مقتصرة على شيء، وأول ما نود أن نعرفه هو من يملك الأرض؟