التحول من سیاسة لأخرى أو من اتجاه إستراتیجي لآخر لیس بالأمر الھین الذي یتم قبولھ ودعمھ من الشرائح المعنیة بسھولة بل إن المعتاد خلاف ذلك، إذ عادة ما تُواجه السیاسات والاتجاھات الإستراتیجیة الجدیدة بالرفض والمقاومة، ولذلك تقوم الأجھزة الحكومیة أو الشركات بالتبشیر إعلامیاً من خلال كافة وسائل التواصل بسیاساتھا واتجاھاتھا الإستراتیجیة الجدیدة كحلول بدیلة للحلول السابقة التي تحولت لمشكلات نتیجة تغیر الظروف والمعطیات، ثم تعزز الأقوال بالأفعال التي تثبت فعالیة وجدوى الحلول الجدیدة البدیلة.
وزارة الإسكان وفي إطار أھدافھا ومھامھا المنصوص علیھا بقرار تأسیسھا اتجھت لإستراتیجیة دعم العرض وتمكین الطلب لتحقیق التوازن بین المطلوب والمعروض من الوحدات السكنیة في السوق العقاریة لرفع نسبة تملك المواطنین والانتھاء من قوائم الانتظار بالسرعة المنشودة، وجاء ھذا التوجھ الإستراتیجي الجدید كنتیجة طبیعیة لانتھاء فاعلیة سیاسة أرض من البلدیات وقرض من الصندوق العقاري في تسكین المواطنین على قوائم انتظار الصندوق والوزارة الذین وصلوا لأكثر من 5.1 ملیون طلب لا یمكن تمكینھم من التملك بالسیاسة السابقة إلا بعد عقود طویلة.
ورغم أن الوزارة بشرت بإستراتیجیتھا الجدیدة والبرامج والمبادرات التنفیذیة التي ستنظم السوق العقاریة وتحفز كافة عناصرھا وتحمیھم من بعضھم البعض من خلال المراقبة الصارمة إلا أن الرأي العام یرى أن الموضوع لم یتجاوز الأقوال، ما جعل المواقف الرافضة والمقاومة ھي الأعلى صوتاً، ذلك أن المواطن یرى برامج متعددة كبرنامج «وافي» للبیع على الخریطة، وبرنامج «إتمام» المعني بتسھیل تراخیص المشاریع للمطورین، وبرنامج الشراكات المعني بتوفیر وحدات سكنیة متنوعة بكافة مناطق المملكة بأسعار متناولة وجودة عالیة بالشراكة مع المطورین، ومبادرة القرض المدعوم المعني بتوفیر التمویل اللازم لشراء الوحدات السكنیة المطورة أو للبناء الذاتي من خلال البنوك مع تحمل الصندوق العقاري كامل التكالیف البنكیة لمن راتبھ دون 14 ألف ریال، إلا أنه لم یر كیف یتمكن من تملك المسكن كمحصلة نھائیة تحقق لھ الراحة والاستقرار الأسري دون خوف من جودة ردیئة أو عجز مالي یخرجه وأسرته من المسكن.
برنامج سكني الذي یستھدف تخصیص 250 ألف منتج سكني (قرض مدعوم، أرض مجانیة، وحدة سكنیة جاھزة أو على الخریطة) خلال سنة ساھم بدرجة معینة بعد أن خصص نحو 125 ألف منتج سكني خلال الشھور الستة الأولى، إلا أن رحلة ما بعد التخصیص ما زالت تثیر بعض الأسئلة لدى المواطنین لحداثة ھذه الآلیات المرتبطة بعناصر السوق العقاریة التي لم یألفھا المواطن في ما سبق، ولذلك ورغم التحول الجزئي بالقناعات والمواقف لا یزال الرفض والمقاومة على درجات عالیة رغم فعالیة الإستراتیجیة الجدیدة وتطلبھا شیئا من الوقت لیتضح للناس أثرھا الكبیر في معالجة المشكلة الإسكانیة بالتزامن مع رفع مساھمة السوق العقاریة في مؤشرات الاقتصاد الكلي كإجمالي الناتج المحلي، وتولید الفرص الوظیفیة للمواطنین، ورفع استخدام المحتوى المحلي في إنتاج المساكن.
ومن وجھة نظري أن نجاح برنامج الشراكات في إقفال مشروع (دیار الحسا)، الذي یشتمل على 1512 فیلا بأسعار تتراوح بین 495- 620 ألفا في فترة أسبوعین لمن خصصت لھم مساكن بنظام البیع على الخریطة، یعتبر تحولا عملیا على أرض الواقع یؤكد نجاح التوجھ الإستراتیجي الجدید لوزارة الإسكان وقدرته على تقلیص قوائم الانتظار بسرعة كبیرة كبدیل ناجح لسیاسة الأرض والقرض غیر الفاعلة، ولا شك أن إعلان برنامج الشراكات عن توقیع اتفاقیات لإنشاء 9 آلاف شقة و1500 فیلا في 5 مدن أمر مبشر أیضا بإقبال المطورین لجدوى الشراكة، فضلاً عن إقبال البنوك الممولة.
طریق الألف میل یبدأ بخطوة، والطریق الإستراتیجي الجدید اجتاز كما یبدو مئات الأمیال وبتنا نرى فاعلیة ھذا الطریق بإقبال كافة عناصر السوق العقاریة من مواطنین مستفیدین ومطورین وممولین ومقاولین ومصانع مواد إنشائیة، وكلنا أمل بالمزید من الإنجازات التي تدعم العرض وتمكن الطلب لنرى قوائم الانتظار تتھاوى بسرعة كبیرة لتتحول المشكلة الإسكانیة إلى فرصة اقتصادیة عظیمة تنمي اقتصادنا الوطني كما نتمنى جمیعًا.