يدور هذا السؤال في أذهان العديد من الراغبين بشراء عقار وهل الظروف الحالية -من أوضاع اقتصادية وأسعار نفط وفرض رسوم على الأراضي البيضاء والتوقعات بانخفاض أسعار العقار- مناسبة لاتخاذ قرار شراء عقار في الوقت الحالي!.
وسنحاول في هذا العرض توضيح العناصر التي لابد من أخذها في الاعتبار عند الرغبة في شراء عقار بغرض السكن بخلاف ثمن العقار. وأول خطوة هي تحديد وضع الراغب في شراء عقار بمعنى هل يرغب في شراء عقار سكني وتتوفر لديه سيولة نقدية أم يرغب في شرائه عن طريق التمويل؟ وكذلك هل يسكن الراغب في الشراء حالياً في إيجار أم في سكن يملكه؟
ففي حالة توفر سيولة نقدية وسكن يملكه قد يكون الانتظار مناسبا حتى تتضح الصورة الحالية حيث يوجد العديد من العناصر التي لا تساعد في وضوح الرؤية عن مستقبل العقار في الوقت الحالي وقد يكون الانتظار لزوال الضبابية هو حل مناسب لمن تتوفر لديه سيولة ولا توجد ضغوطات عليه في شراء عقار بغرض السكن فيه في الوقت الحالي.
أما من يسكن بالإيجار حاليا ويرغب في شراء عقار بغرض السكن عن طريق التمويل وتتوفر لديه دفعة مقدمة فوضعه مختلف تماما وقد يكون الانتظار في غير مصلحته وحتى في حال تحقق التوقعات السائدة في هبوط أسعار العقارات خلال السنوات المقبلة حيث ان هناك عنصر آخر هام لابد من أخذه في الاعتبار وهو تكلفة التمويل (المقصود بتكلفة التمويل هو التكلفة الإضافية التي يتحملها الأفراد نتيجة حصولهم على تمويل لشراء مسكن وتقسيطه لفترة زمنية معينة والتي هي مكونة من مؤشر التمويل مضاف إليه هامش ربح لصالح جهة التمويل) والتي تمت زيادتها مؤخرا بشكل طفيف وتم الإعلان عن طريق البنك الفيدرالي الأميركي بأن المستهدف سيكون مؤشر تمويل في حدود 3.5% خلال السنوات القليلة المقبلة، ومن المعروف ارتباط مؤشر التمويل في السعودية بمؤشر التمويل بالبنك الفيدرالي الأميركي نظرا لربط الريال بالدولار (مؤشر التمويل يطلق عليه في السعودية سايبور وهو المعادل لسعر الإقراض بين البنوك والذي هو مكون رئيسي في إحتساب تكلفة التمويل)، وتاريخيا كان مؤشر التمويل في السعودية مرتفع بحوالي نصف في المئة في المتوسط عن مؤشر التمويل بالدولار (لايبور) بمعنى في حال بلوغ مؤشر التمويل 3.5% في الولايات المتحدة الأميركية من المتوقع أن يصل مؤشر التمويل في السعودية لحدود 4% في الظروف الاعتيادية.
ما معنى ذلك بالنسبة للراغب في شراء سكن عن طريق التمويل؟ معناه أنه قد ترتفع تكلفة التمويل بأكثر من 2.5% خلال السنوات القليلة المقبلة وانعكاس ذلك بارتفاع إجمالي تكلفة التمويل بأكثر من 50% وتكون كمبلغ مساو تقريبا لانخفاض أسعار العقار بحوالي 25%! كما في المثال الموضح في الجدول المرفق، حيث يتضح من المثال السابق بأنه في حال تحقق اخفاض العقار بحوالي 30% كما تشير بعض التوقعات من بعض المحللين فإن ذلك -إن تحقق- سيكون في الوقت الذي قد تزيد فيه تكاليف التمويل وإذا تم إضافة تكلفة إيجار وحدة مماثلة خلال فترة الانتظار لمدة عامين فقط فإن تكلفة الإيجار (بافتراض عدم زيادتها) والزيادة في تكلفة التمويل -إن تحققت- قد تفوق انخفاض أسعار العقار ولابد للعقار أن ينخفض بحوالي 37% حتى لا يتم تحقيق أي خسارة ويتم شراء العقار بنفس التكلفة تقريبا!!!
ويتضح من ذلك أن نصيحة التوقف عن شراء السكن في المرحلة الحالية قد تكون غير صالحة للبعض خصوصا في حال الرغبة في شراء العقار للسكن كبديل عن الإيجار الحالي وعن طريق التمويل، ولابد لنا من تحليل مثل هذا القرار أو النصيحة بطريقة صحيحة وعلمية ومعرفة نتائج مثل هذا القرار بشكل متكامل وعدم قصر النظر على زاوية واحدة فقط وهي محاولة اقتناص العقار بأفضل سعر ممكن بل هناك عدة عناصر أخرى لابد من أخذها في الاعتبار خصوصا في حال كون العقار سكني والشراء سيكون عن طريق التمويل!
وفي الختام أعتقد أن النصيحة الأفضل لمن يسكن في إيجار ويرغب في شراء مسكن عن طريق التمويل وتتوفر لديه دفعة مقدمة في الوقت الحالي هي التركيز على شراء مسكن يكون بديلا عن الإيجار، وأقساطه تكون مقاربة لدفعات الإيجار ويكون المسكن يلبي الاحتياجات الحالية وليس المستقبلية والحصول على تمويل بأقساط ثابتة لا تتغير والمحافظة على مستوى المعيشة الحالي قدر الإمكان دون الدخول في التزامات إضافية غير ضرورية، أما الانتظار فقط لحين انخفاض أسعار العقار وإغفال بقية العوامل الأخرى في هذه الحالة قد لا يكون أفضل حل لك!.