ربما يكون التمويل العقاري حلا لمن يرغب في تملك المسكن، ولكن يقابل هذا الحل سلبيات كثيرة وضارة ومرهقة لصاحب المسكن، الذي حل أمرا وفتح عليه أبوابا لا يمكن إغلاقها، وسيجد نفسه أسيرا لهذا التمويل طوال العمر. في ظل الأسعار المرتفعة لأسعار المساكن والأراضي يعد اللجوء للتمويل مغامرة متهورة ومخاطرة كبيرة، فلا يمكن أن تشترى مسكنا بنحو مليون ونصف ريال -متوسط أسعار الفلل- ويضاف عليها فوائد تربو على الـ100 في المائة، وتدفع قسطا مرهقا لمدة 25 عاما أو تزيد ويمكن أن تظل في رغد من العيش.
الغاية من المسكن هو “راحة البال” وتأمين الحياة الكريمة للأسرة، وهو أمر لا يمكن حدوثه في ظل أقساط وديون مرهقة تأسر “الراتب” لأكثر من ثلاثة عقود، فالديون لا يمكن أن يصاحبها راحة بال، وهو أمر ترفضه النفس البشرية.
لا شك أن المتهورين كثر، والمغامرين كثر، وأبواب المصارف مفتوحة للجميع ولمن يرغب في الحصول على تمويل عقاري، ولا نحتاج إلى شفاعة أو حث من وزارة الإسكان، ولا يمكن للوزارة أن تطرح علينا حلا هو موجود في الأصل كـ”التمويل العقاري”، فهذا الأمر ليس من مهامها التي أنشئت من أجلها.
خفض الدفعة الأولى للتمويل العقاري من 30 في المائة إلى 15 لا يمكن أن يكون الغاية منه هو تملك المسكن بقدر ما هو تنشيط لحالة الركود التي يعانيها العقاريون، وزيادة لعوائد المصارف الجامدة بخصوص التمويل العقاري.. ولا يمكن أن تقنعنا وزارة الإسكان وهي تتخذ هذا القرار أنه في صالح المواطن ولو خاطبتنا سنين عديدة.
المواطن لا يحتاج إلى مثل هذه الحلول من جهة حكومية كوزارة الإسكان، هو يريد أرضا “منحة” وقرضا حكوميا ميسرا وبفوائد منخفضة أو معدومة يبني عليها مسكنه بالطريقة التي يشاء دون توجيه أو تدخل أو حث على أمر يرهقه ويرهق ميزانيته كما تفعل وزارة الإسكان في حثه وتوجيهه نحو التمويل العقاري المصرفي المرهق الذي لا يمكن لأي مواطن بسيط أن يتحمله.
دخلنا في السنة السادسة منذ صدور أوامر بتوفير المساكن للمواطنين وتأمين 250 مليار ريال لبناء 500 ألف منتج سكني، ولم نر طوال تلك السنوات من الجهات المعنية إلا الوعود والحلول الورقية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.