صندوق التنمية العقارية هو صندوق عقاري تنموي غير ربحي، ساهم منذ نشأته في الحد من مشكلة الإسكان التي كانت تعاني منها المملكة وما زالت، ويعود الفضل إليه في تمدّد وتوسّع المدن والبناء والعمار رأسيًّا وأفقيًّا.
وقد مرّ الصندوق منذ تأسيسه عام 1394هـ وحتى الآن بمراحل متعددة ما بين مد وجزر، وكان العامل الاقتصادي الذي كانت تمر به البلاد هو الفيصل في رسم السياسة التي كان يتبعها في كل مرحلة. ونظرًا للنمو السكاني الكبير، وما ترتب عليه من ازدياد في الطلب على الإسكان، وعجز الصندوق عن الوفاء بالتزاماته، وتم طرح العديد من المبادرات والإستراتيجيات، وتشكيل العديد من المجالس والهيئات، ومن إلغاء الإعفاء من جزء من الأقساط على المواطن في حال قيامه بالتسديد في الوقت المقرر، إلى تعزيز بند الصندوق ماليًّا في الميزانية العامة، وزيادة القرض من 300 إلى 500 ألف ريال، ومن قرض وأرض، إلى بناء الوحدات السكنية عوضًا عن ذلك.
ثم جاء القرار الأخير لصندوق التنمية العقارية في تحويل القروض العقارية إلى البنوك الأهلية، حيث الفوائد الفلكية على القرض، والتي سوف تتجاوز في بعض الأحيان 67% من قيمة القرض! وكان ذلك بمثابة (إعلان رسمي) عن تخلّي الصندوق عن الدور الذي تأسس من أجله، وتمهيدًا لإطلاق رصاصة الرحمة عليه؟! إذن، والحالة هذه، سوف يفقد الصندوق مبررات وجوده، ويصبح وجوده من عدمه سيّان.
لأن المواطن أعرف من الصندوق بمصلحته، ويعرف طريقه إلى البنوك جيدًا لو أراد ذلك، ومَن هو أفضل، ومَن يناسب دخله. هذا القرار سوف يترتب عليه مشاكل كثيرة، وهو بمثابة (قنبلة موقوتة) سوف تنفجر في أي لحظة. بدءًا من ارتفاع نسبة الفقر والجريمة، وانتشار الأمراض العضوية والنفسية، إلى العجز عن تسديد الأقساط التي سوف تبتلع جزءًا كبيرًا من دخل المواطن، ويظل معها المواطن طوال حياته يعيش في خانة (المديونير) في كل تفاصيل حياته! ويستمر في التقسيط عند مطلع كل شهر بدءًا من السيارة إلى أثاث المنزل والدراسة والسفر، وفي كل حاجاته الرئيسية.
وبالتالي من غير المستغرب أن يتم طرد المواطن من منزله وإلقاؤه على قارعة الطريق بحُجة العجز عن تسديد الأقساط المترتبة عليه، أو حتى الزج به في السجون، لنجد أنفسنا بعد حين وقد تجمّعت الثروة في أيدي فئة محدودة من المجتمع (أباطرة المال والأعمال)، وتلاشت الطبقة الوسطى، وأصبح السواد الأعظم من المواطنين يعيشون تحت خط الفقر! وبالتالي سوف تنتشر البطالة، وحالات الانتحار، وانخفاض نسبة الزواج، وارتفاع نسبة الطلاق. والأهم من ذلك كله سوف تنتشر أحياء الصفيح حول المدن، وسوف تحيط بها إحاطة السوار في المعصم، ولن يتمكّن أحد من إيقافها أبدًا.
إن من المضحك والمُبكي في آن واحد أن يذهب البعض وبدرجة (وزير) إلى إنكار المشكلة من أصلها، وأن يختزلها في كونها مجرد مسألة (فكر) يعني ثقافة؟!!
أعتقد أن العائد من القروض التي قدّمها الصندوق طوال السنوات الماضية كافٍ لاستمرار الصندوق في تأدية رسالته، وأيضًا اللجوء إلى بناء الوحدات السكنية الجاهزة، والتي تقل تكلفتها بنسبة 50% عن المنازل الخرسانية، والتي أثبتت فعاليتها في العديد من دول العالم، وأيضًا التخلص من الأراضي البيضاء ذات المساحات الشاسع، والتي تشكّل جزءًا من مشكلة الإسكان المزمنة من خلال فرض الرسوم المرتفعة جدًّا عليها؛ مما يضطر الملاك إلى سرعة التخلص منها وبيعها، ناهيك عمّا تشكّله من تلوث بصري وبيئي، والحيلولة دون تطور المدن وبناء المرافق والخدمات، ومنع الاعتداء على أراضي الدولة الذي أدى بدوره إلى ارتفاع أسعار الأراضي لأرقام فلكية (أزمة مفتعلة)، ولا تعبّر عن السعر الحقيقي للأراضي! سوف يساهم إلى حد كبير في علاج هذه المشكلة المزمنة.