لم یعد بالإمكان حل أزمة الإسكان المتفاقمة أو التعاطي معھا، دون تفكیك لمكوناتھا التشریعیة والتنظیمیة والتمویلیة والإجرائیة، ومعرفة أوزانھا النسبیة في تكوین الأزمة، والعمل على إعادة إنتاج البیئة العقاریة والإسكانیة من جدید وفق أسس ومعطیات عصریة، ودون التركیز على حل واحد، كالإسكان الحكومي مثلاً، والتغاضي عن جملة من العوامل الموضوعیة التي ساھمت تاریخیا في تراكم الأزمة والتي تسعى الوزارة حالیاً إلى إیجاد حلول متكاملة لھا وبشكل متواز.
لكن ثمة جوانب مسكوت علیھا في صناعة العقار التي تشكل مقدمة لأزمة الإسكان، والأرضیة التي تقوم علیھا حلول الإسكان، كالمھنة العقاریة مثلا والتي لا تزال مھنة المتقاعدین أو من لا مھنة له، فھي تقوم على قاعدة الدلالة والسمسرة.
ولم تتطور ھذه المھنة منذ نصف قرن رغم التطورات التي تجوب العالم حالیاً على اعتبار أن المنتج العقاري
والإسكاني قد تعدى مثل ھذه المفاھیم والحلول التقلیدیة إلى صناعة عقاریة عصریة تقوم على الحلول المؤسسیة، بعیداً عن الحلول الفردیة المكلفة والتي لا تجمعھا شخصیة عمرانیة أو ھویة وطنیة ناھیك عن سیادة مثل الحلول الإسكانیة القائمة على التطویر العقاري المؤسسي في العالم أجمع بما في ذلك التمویل بالتقسیط.
الإحصائیات التي ھي مربط الفرس وأساس كل معلومة، تشیر ھنا إلى أن المساكن التي طورھا مطورون عقاریون في المملكة لا تزید على 3 %من إجمالي المساكن التي یتم تشییدھا مقابل نسبة 80 %في أمریكا و70 %في الھند، ونفس ھذه النسبة في معظم الدول، وھو ما یشكل اختلالا ھیكلیاً وجوھریا في صناعة الإسكان في البلاد والذي كان واحداً من مكونات ھذه الأزمة والمدخل الحقیقي لحلھا، لكنك في نفس الوقت لا یمكن أن تطالب برفع ھذه النسبة دون إیجاد حلول تشریعیة وتنظیمیة تعید رأس المال الوطني إلى واجھة الاستثمار العقاري كالرھن العقاري؛ بمعنى أن كل مشكلة تلد أخرى وبالتالي فإن ھذا القطاع كالأواني المستطرقة لا یمكن إحراز تقدم في جزء منھا دون الجزء الآخر، وھو ما یتطلب بناء منظومة تشریعیة وتنظیمیة وتمویلیة وإجرائیة متناغمة ومتكاملة الأركان، وبمؤشرات محایدة وقابلة للقیاس.