ببساطة تامة، یكمن سر نجاح التجارب العالمیة في مجال الإسكان في تناغم ثلاثة أركان أساسیة: التشریع، التمویل والتطویر، الأمر الذي مكن ھذه الدول من تجنب الأزمات الدراماتیكیة ومكن مواطنیھا من الحصول على سكن مناسب وبأقساط مریحة تقترب من قیمة القسط الشھري الذي یدفعھ عادة المستأجر كإیجار لمنزله.
لو استعرضنا الحال المتعثر لھذه الأركان الثلاثة في المملكة بعد كل ھذه اللفة الطویلة، لوجدنا ما یبرر حقیقة قیام ھذه الأزمة الطاحنة، وھو ما كنت أنادي بالبدء في إیجاد ھذه الحلول انطلاقا من أسبابھا ومكوناتھا التاریخیة قبل أن نبحث عن حلول بدیلة (من خارج الصندوق) كدخول الدولة على خط البناء مثلاً، ففي مجال التشریع، كلنا یعلم حجم التشوھات الھیكلیة والتشریعیة التي ما زالت تنتاب ھذا القطاع، فعلى سبیل المثال كان معالي وزیر المالیة قد أعلن في مؤتمر «الیوروموني السعودي» عام 1427 هـ عن قرب صدور أربعة تنظیمات جدیدة ھي الرھن، التمویل العقاري، التأجیر التمویلي، ومراقبة شركات التمویل، ولم یسبق أن عقد أي مؤتمر مماثل تلا ھذا المؤتمر دون أن یتغنى الوزراء والمسؤولون على مختلف درجاتھم الوظیفیة ومراتبھم بھذا النظام الذي سوف یصدر قریبًا، وأنه سیكون بمثابة الحل السحري للأزمة، لكن رغم مرور عشر سنوات إلا أن مجموعة ھذا النظام قد أكلھا الذئب، وفات علینا وقت طویل وباھظ الثمن زاد من تكالیف على ھذا القطاع، والخوف كل الخوف أن تصدر ھذه الأنظمة بعد فوات ھذه المدة كسیحة، جراء حلول توفیقیة تكون معھا منزوعة الدسم.
أما في مجال التمویل فإن حجم الائتمان العقاري في المملكة لا یتجاوز 5.3% من الناتج المحلي على أبعد التقدیرات المعلنة، في الوقت الذي تبلغ ھذه النسبة 6.78% في بریطانیا و 4.81% في الولایات المتحدة، وقس على ذلك بقیة الدول، وھل یمكن بناء قطاع بھذا الحجم دون تمویل مصرفي؟
أما الركن الثالث وھو التطویر العقاري فحدث ولا حرج، فإقامة المباني تكون عادة سابقة للخدمات ولیس العكس، إضافة إلى أن 90% من عملیات البناء تتم عن طریق الأفراد، فیما یتضاءل التطویر العقاري والبناء المؤسساتي إلى أدنى درجاته في العالم (3- 4 %) في الوقت الذي تنتشر المفاھیم العمرانیة التي تقوم على التطویر المؤسساتي الشامل الذي یوفر الوقت والجھد والمال
إذا كانت أبعاد ھذا القطاع وأركانه الأساسیة على ھذه الشاكلة، فعن أي حلول وإستراتیجیات للإسكان نتحدث؟