طبیعة الحال لا یمكن الإحاطة بكل جوانب الفساد أو القصور في البلاد لكن علینا أن نفتح ملفات الأجزاء الظاھرة (الفیزیائیة) منھ وتفكیك مكوناتھا التي لاتزال كطائر الرخ بالنسبة لنا، لغز المدن الاقتصادیة مثلا لم یتم فك رموزه بعد، خصوصا في ھذه المرحلة التي تمثل منعطفا تاریخیا في عصر النزاھة والشفافیة لنعرف ما الذي حصل ولماذا فشلت ھذه المدن كلیا أو جزئیا ؟
المدن الاقتصادیة التي قیل لنا یوماً أنھا تمثل مفھوماً عصریاً یجمع بین المقومات الاقتصادیة للمدن الصناعیة والمدن الاقتصادیة ویركز اقتصاد كل مدینة على تجمعات عنقودیة یتم انتقاؤھا وفقا للمزایا النسبیة إلى آخر ما جاء في ھذا الحلم الكاذب الذي عشنا فصولھ سنوات طویلة وكانت تقدم لنا من خلالھ أرقام فلكیة قوامھا استثمار 170 ملیار ریال في المرحلة الأولى لترتفع في المرحلة الثانیة إلى 100 ملیار دولار (375 ملیار ریال) في مدینة الملك عبدالله الاقتصادیة وحدھا، ولیصل الموظفون في ھذه المدینة التي تقام على مساحة 181 ملیون متر مربع أي أكبر من مساحة عاصمة أمریكا نصف ملیون موظف والتي جاء في خططھا المعلنة أیضا إقامة الجزیرة المالیة والمیناء الجاف والمجمع الصناعي وغیرھا فماذا حققت من قیمة مضافة للبلاد حتى الآن، وكل ما أراه أنھا تحولت لشركة عقاریة بالدرجة الأولى تبیع الفلل والشقق، وھو ما یتطلب أن نعرف أسباب تعثر الخطة وما واجھت «إعمار» من مصاعب وتعقیدات ومن كان وراءھا؟
مدینة جازان الاقتصادیة توقفت فترة طویلة عن العمل وانسحب المطور فیما كانت طروحات الھیئة العامة للاستثمار تشیر عند إعلانھا إلى توظیف 15000 شاب إلى أن جاءت أرامكو لانتشال المدینة من خلال بناء المصفاة بعد فشل الھیئة العامة للاستثمار في تحقیق خطة المدینة ثم إلحاقھا بالھیئة الملكیة بالجبیل وینبع لاحقاً بقرار سیادي من الملك سلمان حفظه الله.
خذ على طریقك المدینة الاقتصادیة بحائل التي لم یدق فیھا مسمار واحد حتى ھذه اللحظة رغم وضع حجر الأساس من قبل الملك الراحل عبدالله رحمة الله علیه عام 2005م والذي كانت تحدوه الآمال العراض لتنمیة مناطق الأطراف بعد انسحاب المطور الأول بعد 4 سنوات والمطور الثاني بعد الفترة نفسھا تقریبا رغم رغبته الجامحة في إقامة مطار دولي واستكمال مخططاته وطلب ترخیصھ من الطیران المدني لیكون موقعًا لوجستیًا للبضائع على مستوى الشرق الأوسط ولم یقم المشروع لأسباب غامضة لا یتم الحدیث عنھا حتى من قبل المطورین أنفسھم وكأنھا سر من أسرار الكون.
لماذا لا تفتح ملفات ھذه المدن على الأقل باعتبارھا شأنا اقتصادیا بحتا خصوصا في ھذه الحقبة التي تمثل ذروة الشفافیة والنزاھة التي عرفتھا المملكة منذ تأسیسھا وحتى الآن؟!