لفت عقاريون ومختصون إلى أن قرار فرض رسوم على الأراضي البيضاء يعد ترجمة لتوجه الدولة لفك الاحتكار وتحقيق حلم المواطن في تملك المسكن، وتوقعوا أن يسهم القرار في زيادة المشاريع التجارية والعقارية خلال الفترة المقبلة بنحو 60 في المائة مما هي عليه الآن.
وطالبوا أمانات المناطق بضرورة تسريع إجراءات التصاريح ومشاريع البنى التحتية، للمشاريع العقارية، السكني منها والتجاري.
وأضاف المختصون والعقاريون أن قرار فرض الرسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني ليس ضد مصلحة تجار الأراضي كما يشاع، بل هو جرس الإنذار لهم، وأن عليه أي الملاك استثمار أراضيهم، وهو أمر سيعود عليهم بالفائدة وعلى السوق والمستهلكين أيضا”.
حييث قال خالد الغامدي، شيخ طائفة العقاريين في محافظة جدة: كتابات العدل في مدينة جدة لم تشهد حركة ملحوظة من قبل ملاك الأراضي البيضاء، موضحا أن خلو كتابات العدل قد يكون بسبب إجازة الربيع وسفر البعض في إجازات مع أسرهم، ملمحا إلى أنه لا يتوقع أن تشهد الأيام المقبلة حركة مكثفة لتصريف الأراضي في ظل عدم وضوح آلية فرض الرسوم.
وأضاف :إعلان الآلية الخاصة برسوم الأراضي البيضاء هي التي ستحدد حركة السوق وتوجهات ملاك الأراضي، متوقعا ألا يتم فرض الرسوم على الأراضي ذات المساحة المحدودة، مثل خمسة آلاف متر فأقل، إذ إنه لا يمكن مساواة الأراضي ذات المساحات الشاسعة بالأراضي السكنية ذات المساحات الصغيرة التي يشتريها المواطن ليقوم ببنائها فيما بعد متى ما تيسرت لهم الأموال.
وأوضح الغامدي في تصريح لجريدة الاقتصادية أن هناك ثلاثة عوامل ستحدد اتجاه السوق خلال الفترة المقبلة، أولها: إيصال الخدمات للأراضي والمخططات، وآلية وموعد فرض الرسوم، وإحصائيات وزارة الإسكان بشأن أعداد محتاجي السكن في المملكة.
من جانبه، علق الدكتور علي التواتي، المختص الاستراتيجي، بأن قرار فرض الرسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني، يقرع جرس الإنذار لملاك الأراضي بأن القرار، ومهما طال الزمن فسيصدر، وأن على تجار الأراضي استثمار أراضيهم.
وقال التواتي :استثمار تلك الأراضي لا يكون فقط في مجال الإسكان، بل قد يكون في المجال التجاري، كما أن الأراضي التي تقع داخل النطاق العمراني قد تكون عقبة تسبب تأخر إقامة المشاريع والمرافق العامة مثل الحدائق والمستشفيات والشوارع والمدارس الجديدة، وهو ما يفتح المجال أمام أمانات المدن لشراء ما يجب أن يخصص لخدمة المدن.
مشيراً إلى أن القرار يحفز المالك على استثمار أراضيه استثمارا تجاريا أو إسكانيا أو يبيعها لمن يستطيع استخدامها فيما خططت له أمانات المدن وإدارات التخطيط، دون أن يعطل الاستفادة منها”.
وشدد التواتي على أن فرض الرسوم هو ترجمة لتوجه الدولة لفك الاحتكار وإجبار ملاك الأراضي داخل النطاق العمراني إما على بنائها وحدات سكنية أو بيعها لتحقيق حلم المواطن في السكن.
وربط التواتي القرار الأخير بما أعلن عنه الملك سلمان خلال خطابه الذي أدلى به قبل أسبوع، وركز من خلاله على ثلاث نواح اقتصادية تهم المواطن بشكل مباشر، الإسكان والتعليم والصحة، مؤكدا أن تلك الأمور الثلاثة لا يمكن التهاون أو التساهل فيها، وهذا ما ترجمه من خلال التغييرات التي أحدثها في وزارة الإسكان واعتماده مبلغ 20 مليار ريال لتنفيذ المشاريع المعطلة في الأراضي التي أعطيت للوزارة للاستثمار الإسكاني، ولاستكمال البنى التحتية كالماء والكهرباء، لتأتي الخطوة الثالثة لتحفيز ملاك الأراضي داخل المدن لتسييل هذه الأراضي المجمدة، وهم يحتاجون إلى هذا التحذير، فلو كانوا ينوون استثمارها ما كانوا جمدوها عشرات السنين.
واستبعد التواتي توجه مالكي الأراضي البيضاء إلى بيعها أو تصريفها، إلا أنه من المؤكد أنهم سيتوجهون إلى استثمارها، وتوقع أن تشهد أعداد رخص الاستثمار، خلال الفترة المقبلة، زيادة كبيرة تتجاوز 40-60 في المائة مما هي عليه الآن، كما ستشهد الفترة المقبلة تحالفات كبيرة بين شركات إنشائية عملاقة وملاك تلك الأراضي، لتتحول المملكة إلى ورشة عمل كبيرة خلال السنوات القليلة المقبلة.
وأضاف :هذه الطفرة الاستثمارية تتطلب من أمانات المدن أن تكون على أهبة الاستعداد لتنظيم هذه المشاريع لأنها ستكون استخداما نهائيا، ولا يجب أن يكون الاستثمار فيها عشوائيا، بل يتطلب التنظيم والتخطيط والمساندة”، لافتا إلى أن الاندفاع نحو التنمية الاقتصادية قد تنتج عنه آثار سلبية مثل ارتفاع أسعار مواد البناء وشح الأيدي العاملة، وغيرها من الأمور الفنية.
فيما يرى الدكتور محمد شمس، رئيس مركز استشارات الجدوى الاقتصادية في جدة، أن هدف قرار مجلس الوزراء من فرض رسوم على الأراضي البيضاء هو تشجيع البناء والتشييد داخل المدن والقرى من أجل زيادة أعداد المساكن للمواطنين والتغلب على عمليات المضاربات العقارية، وكذلك القضاء على التلاعب بأسعار الأراضي من خلال المساهمات العقارية الوهمية التي ترفع أسعار العقار على المواطنين.
وقال شمس :عندما يدرك أصحاب العقار أن هناك رسوما مؤثرة وهي في الواقع ضرائب عقارية على أراضيهم فسيتجنبون المضاربات ويبدأون إما في تعميرها لمصلحة مشاريع الإسكان أو في بناء مشاريع استثمارية عقارية مثل المؤسسات والمجمعات التجارية وغيرها أو بيع العقار وهذا سيؤدي إلى زيادة العرض من الأراضي فينخفض سعرها”.
وتابع :من ناحية أخرى فإن الطلب على مواد البناء مثل الأسمنت والحديد وخلافه سيرتفع وترتفع معه أسعارها، إلا أن البنك العقاري ﻻ بد أن يلعب دورا مهما في تسهيل عمليات القروض العقارية، كما أن مؤسسة النقد العربي السعودي بما لديها من سيولة نقدية ضخمة وبما لديها من نفوذ على البنوك التجارية ﻻ بد أن يكون لها دور إيجابي أيضا في خفض أسعار الفائدة على القروض العقارية التجارية من خلال السياسة النقدية، التي في الواقع ينعدم دور المؤسسة في هذا المضمار. وهذا سيسهم في خفض أعباء زيادة تكاليف البناء على المواطنين”.
وأكد شمس أن القرار صائب من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية لأنه سيحيي قطاع العقار والتشييد والبناء، وتحيا معه مدن وقرى كانت رهينة للمضاربات والمساهمات الوهمية العقارية، لكن يجب أن تكون الرسوم مؤثره لتحقيق الهدف منها.
من جهته، لفت بارع عجاج، اقتصادي متخصص في العقار، إلى أنه ينبغي عند فرض قرار الرسوم لا بد من تعديل آليات إجراءات الجهات الأخرى مثل الأمانات، إذ إن إجراءات الأمانات لاستخراج رخص البناء تستغرق سنتين على أقل تقدير، وهو ما قد يترتب عليه دفع رسوم دون وجه حق.
واقترح عجاج ألا تفرض الرسوم على الأراضي ذات المساحات الصغيرة، أقل من عشرة آلاف متر، وشدد على ضرورة مواكبة تأمين مواد البناء بالتزامن مع فرض الرسوم، لتحقيق السعر العادل للوحدات والأراضي بعيدا عن المضاربات، بالتزامن مع التطوير العمراني.
إلى ذلك، تداولت وسائل التواصل الاجتماعي بعد صدور القرار تصريحات نسبت إلى بعض المصادر أنه من المتوقع فرض الرسوم على الأراضي التي مساحتها 500 متر فأكثر، بحيث يتم تحصيل رسوم الأراضي سنويا بمقدار عشرة ريالات للمتر الواحد، وسيتم احتساب كل زيادة 250 مترا على 500 متر سترفع الرسوم عشرة ريالات إضافية حتى تصل الحد الأعلى 150 مع المساحات الكبرى فوق 4000 متر.
وذكر تقرير اقتصادي حديث حول المؤشرات العقارية في مكة المكرمة لشهر جمادى الأولى من العام الحالي، أن هناك ارتفاعا نسبيا إجماليا في قيمة الصفقات العقارية السكنية والتجارية مقارنة بالشهر الماضي، إذ بلغ إجمالي قيمة الصفقات نحو 5.8 مليار ريال، يشكل السكني منها 5.4 مليار والتجاري 391 مليون ريال.
ولفت التقرير إلى أن مدينة الرياض أكثر المدن من حيث السيولة المالية العقارية لشهر جمادى الأولى، بنحو 9.8 مليار، تليها العاصمة المقدسة بإجمالي 5.8 مليار، فمدينة جدة بنحو خمسة مليارات والدمام بـ 1.4 مليار، والخبر بنحو 1.2 مليار.
ويرى التقرير أن مدينة الرياض تأتي في المرتبة الأولى بنحو 6.6 مليار، ثم العاصمة المقدسة تحتل المرتبة الثانية من حيث تدفق السيولة المالية السكنية، وتأتي في المرتبة الثالثة مدينة جدة بواقع 3.9 مليار. أما العقارات التجارية فتتصدر مدينة الرياض السيولة المالية في السوق العقارية لشهر جمادى الأولى بواقع 3.1 مليار وفي المرتبة الثانية مدينة جدة بواقع 1.1 مليار، والخبر في المرتبة الثالثة بنحو 509 ملايين، وفي المرتبة الرابعة تأتي مكة المكرمة بإجمالي 392 مليون ريال سعودي.
وأكد التقرير أن سعر متوسط المتر السكني في شهر جمادى الأولى شهد انخفاضا كبيرا وذلك بنسبة 61 في المائة بالمقارنة مع الشهر الذي قبله، حيث بلغ في شهر ربيع الثاني 3591 صفقة وانحدرت إلى 1383 صفقة سكنية، وهو أيضا منخفض بالمقارنة مع متوسط سعر المتر في العام الماضي الذي يبلغ 1932 للمتر الواحد ونسبة هذا الانخفاض 28 في المائة، أما الصفقات التجارية فقد ارتفع متوسط المتر بنسبة 54 في المائة عن الشهر الماضي إذ بلغ 5309 صفقات، بينما كانت في ربيع الثاني 3445 صفقة.