قامت الهيئة العامة للطيران المدني ووزارة الاسكان بتوقيع مذكرة تعاون (طيران واسكان) الأسبوع الماضي يتم من خلالها توفير أراض داخل حدود المطارات لإقامة مشاريع سكنية عليها، وحيث أن اختيار أراضي المطارات بعيدا عن المجمعات السكنية كان الهدف منه تقليل الإزعاج وضمان وجود أراض تكفي للتوسعة المستقبلية للمطارات والخدمات المتعلقة بها إلا أن هذه الاتفاقية جاءت لتضاد تلك الأهداف، وكأن الاراضي البيضاء داخل المدن وعلى أطرافها اختفت ولم يعد هناك أماكن لبناء المشاريع السكنية عليها إلا داخل حدود المطارات.
مع كل هذا وسواءً اتفقنا مع وزير الاسكان أو لم نتفق، فإن هذا الرجل يعمل ويسعى ويقدم حلولا هي بنظره ناجحة لتحقيق هدف وزارته، ولكن الآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لهذه الحلول يجب أن تدرس بعناية.
إن مثل هذه القرارات التي تؤثر تأثيرا مباشرا على بيئة المدينة وراحة سكانها، يتم اعتمادها دون أي اهتمام أو تدخل من البلديات.
إن غياب البلديات عن مثل هذه القرارات يوضح مدى حاجة وزارة الشؤون البلدية والقروية لإعادة النظر في أولوياتها وإيجاد أمانات وبلديات تعمل لمستقبل المدن بإستراتيجيات واضحة للتعامل مع نموها تعاملًا مهنيا يضمن إيجاد بيئة سكنية جيدة.
إن اختيار مكان ما لإقامة مشاريع كبرى، يجب أن لا يتم بهذه البساطة دون مراعاة لما سينتج عن هذا القرار من آثار سلبية في المستقبل.
لقد اصبح تخطيط المدن وإدارتها امراً متروكا لكل من له مصلحة، بداية من تجار الأراضي الذين خططوا لنا أحياء ميتة إلى وزارات وهيئات حكومية تخطط وتنفذ ما تريد دونما اهتمام بما ستترك أعمالها من آثار سلبية على المدينة.
إن مدننا بحاجة ماسة إلى من يدافع عنها، ليس من تجار الأراضي وأصحاب المصالح فحسب، بل من كل ما من شأنه انه يضيف عليها أعباء بيئية تجعل العيش فيها معاناة يومية وتجعل ادارتها امرًا في غاية الصعوبة.
في رأيي، إن وزارة البلديات عليها أن تهب سريعاً إلى الدفاع عن مدنٍ تخلت عنها الأمانات والبلديات قبل فوات الاوان. ان مثل هذا القرار من وزارة الاسكان وهيئة الطيران المدني ما كان له أن يتم لو كان هناك من يقف مدافعا عن مستقبل المدينة.
إن بإمكان وزارة الإسكان إيجاد ما تحتاجه من الأراضي داخل حدود المدن أو خارجها، بعيداً عن أراضي المطارات التي هي الأمل الوحيد في إيجاد مناطق مفتوحة داخل حدود المدن.
في حال أخذنا مدينة الرياض كمثال، فإن أفضل استخدام يمكن عمله لأراضي المطار هو تحويلها إلى منتزهات تكون متنفسا لسكان المدينة مع ضمان بقاء الأراضي قابلة للاستخدام في حال احتاج المطار لمواقع للخدمات مستقبلا.
كنت اتمنى لو أن مذكرة التعاون هذه قد تم توقيعها بين وزير الشؤون البلدية والقروية ورئيس الهيئة العامة للطيران المدني «طيران ومنتزهات»، يتم بموجبها تحويل الأراضي البيضاء داخل حدود المطارات إلى منتزهات كبيرة يذهب اليها السكان في أوقات فراغهم للاستمتاع بالهواء الطلق وممارسة الرياضة، بدلا من الجلوس تحت إنارات الشوارع.
لم يفت الأوان بعد، فبإمكان وزارة الشؤون البلدية والقروية أن تتدخل سريعاً للحصول على أجزاء من هذه الاراضي -إن لم يكن معظمها- وتخصيصها كمناطق مفتوحة ومنتزهات عامة لسكان المدينة، علماً بأن مثل هذا التوجه هو في مصلحة هيئة الطيران كما هو في مصلحة السكان، وذلك من خلال إبقاء المناطق المفتوحة خياراً لأي توسعة مستقبلية للمطارات.