عادةً لا أقرأ الإعلانات الفردية المبوبة. الأسبوع الماضي وجدت صفحة كاملة في “الوطن”، بدأت أستعرضها. لم أصدق ما أقرأ، ولو قيل لي ذلك لما صدقت دون برهان أو دليل!
كانت الإعلانات عبارة عن طلب حجج استحكام على أراض. كل إعلان أغرب من الذي يليه، ولو طلب مني وضع عنوان للصفحة لقلت: “صدق أو لا تصدق!
أعان الله المحاكم وإمارات المناطق والبلديات على هذا الإرث العجيب، وكأننا أمام ممتلكات مقدسة، أو نتحدث عن حدود وأطوال الحرم الشريف!
سأختصر لكم واحدا من عشرات الإعلانات: تعلن المحكمة العامة في (…) للعموم بأنه تقدم إليها (…) قائلا: إن من الجاري في ملكي وتحت تصرفي كامل الأرض السكنية المحاطة بحجر يعلوه بلك، والآيلة لي بالشراء، وأطوالها كالآتي: الضلع يبدأ من الشرق متجها جنوب غرب بزاوية انحراف من الضلع الشرقي 135 د، وبطول 2،4 ثم ينكسر جنوب غرب بزاوية انحراف 158د، ثم ينكسر نحو الغرب بـ20 درجة وطول 7،39م “سبعة أمتار وتسع وثلاثون سنتيمترا”، ثم ينكسر نحو الجنوب بزاوية 82 د وطول 18،91 “ثمانية عشر واثنان وثمانون سنتيمترا”، ثم ينحدر جنوب شرق بزاوية 9 د وطول 13،1 “ثلاثة عشر مترا وسنتيمتر واحد”، ويطلب من المحكمة إثبات ذلك، واستخراج حجة استحكام عليه، حسب الحدود والأبعاد، فمن له معارضة فليتقدم إلى المحكمة العامة!، وحتما سيخرج من يعارض!
حينما قرأت هذه الطلبات العجيبة، قلت: لا بد تجاه ما يحدث من فانتازيا عجيبة، كمضاعفة رواتب القضاة الذين يختصون بهذه النزاعات ثلاث مرات، وابتعاثهم إلى إحدى كليات الهندسة في الخارج لدراسة الزوايا والدرجات والاتجاهات!
أو -وهذا الاحتمال الثاني وطالبت به غير مرة- الأخذ على يد هؤلاء البشر الذين يتصارعون على سنتيمتر واحد ودرجة ودرجتين، ومناصحتهم.
الذي أعرفه أنهم يواجهون العقلاء الذين يذكرونهم بفضيلة التسامح وأهمية تجاوز الخلافات مع الجيران بالقول: “أرضك عرضك”!، ولا أعلم كيف للقضاة الأفاضل الحفاظ على أعراض تقاس بالسنتيمتر والدرجة؟!، وهل يمكن تحديد أطوال أرض جبلية لا تصلح للزراعة ولا البناء ودرجات ميولها، وكأننا نتحدث عن ورقة A4؟!
أقترح منح هؤلاء فرصة محددة للتسامح والصلح، فإن لم يحدث ذلك فليس أنسب من نزع أراضيهم وتحويلها إلى مقابر، وما يفيض عن الحاجة يسلم إلى هيئة الترفيه. حقنًا للدماء وحفظا للأرواح!.
27 ديسمبر 2016