كان في مجتمعنا الفقیر الذي لا یجد من الملابس ما یغطي بھ جسده، وكان فیھ الفقیر الذي لا یجد من الطعام ما یقیھ شدة الجوع، وكان فیھ الفقیر الذي لا یجد ما یصرفه على العلاج إن مسه المرض، غیر أهھ لم یكن فیھ الفقیر المشرد الذي لا یجد بیتا یؤویه، كان الحصول على مسكن نصیبا مشتركا للغني والفقیر بصرف النظر عن حجم ذلك المسكن وموقعه ومواد بنائه، كان الحصول على بیت أسھل من الحصول على لقمة طعام وقطعة رداء وعلبة دواء، وانتھى مجتمعنا إلى أن من الممكن للمرء فیھ أن یأكل ما یشاء حد التخمة، ویلبس ما یرید حد الترف، وإذا ما مرض اتجھ لأكثر المستشفیات تكلفة، غیر أنھ مع كل ذلك لا یستطیع لنفسھ سكنا یؤویه، فھو بین خیارین؛ یقضي عمره مستأجرا لا بیت لھ، أو یقضي عمره یسدد القرض الذي احتاج إلیه لیشتري ذلك البیت والذي لن یصبح بیته حتى یسدد آخر قسط بعد عمر طویل.
كان بإمكان المرء أن یبني البیت الذي یسد حاجته وعلى قطعة أرض لا تفیض عن الحاجة إلى ذلك البیت، وتعقدت الأمور بعد ذلك، مغالاة في مساحات الأراضي، وتكلف في مواد البناء، وتنطع في مواصفاتھ وخطوات تنفیذه، وكأنما نسینا ما كنا علیه من بساطة وجھلنا أن دولا متقدمة من حولنا لا تزال تعتمد البساطة في مساحة الأرض التي یقام علیھا البناء وعدم التكلف في حجم المبنى ومواد بنائه.
وزیر الإسكان قال مرة إن أزمة السكن أزمة فكر، وھي فعلا كذلك، غیر أنھا لیست أزمة فكر المواطن بل أزمة فكر المسؤول الذي جعل من قدرة المواطن على بناء بیت أزمة بما فرضه علیھ من شروط البناء.