لمّا كانت الدعاوى الحقوقية تمس الحقوق المكتسبة للأفراد، ولما لهذه الحقوق من احترامٍ واجب، فقد تميّزت عن غيرها من الدعاوى بخصوصيّة تعطيها الاستثناء من بعض القواعد الشكلية الجامدة. وقد أبدع ديوان المظالم بصفته هيئة قضاء إداري مستقلة في فهم هذه الخصوصية، وأقر لها مبادئ قضائية تحفظها، فجاءت الأحكام القضائية مرسومة بإتقانٍ ينطق بالعدل وحفظ الحقوق، مميِّزة بين الدعاوى المتعلقة بالمراكز القانونية المفترض ثباتها والدعاوى الحقوقية ذات الطبيعة الخاصة.
ولعل في نظرية «المسلك الإيجابي» في دعاوى الإلغاء عموماً –بما في ذلك دعاوى إلغاء قرارات لجنة تقدير التعويض المنصوص عليها في نظام نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة ووضع اليد المؤقت على العقار- ما يبرز اهتمام القضاء الإداري بإقامة العدل وحفظ الحقوق واحترام النصوص النظامية التي لا تخالف الشرع المطهر وفق دستور هذه البلاد المباركة (القرآن الكريم والسنة النبوية). ويقصد بنظرية «المسلك الإيجابي» مسلك جهة الإدارة (الجهة الحكومية) في تعاملها مع التظلم المقدم لها من قِبل من تم المساس بحقوقه، فإذا ما أظهرت الجهة الإدارية أية إيجابية في تعاملها مع هذا التظلم كإحالته إلى جهة مختصة لدراسته فإن هذا المسلك الإيجابي منها يعتبر قاطعاً للمدد المحددة نظاماً لرفع الدعوى أمام المحكمة الإدارية، وقد جاء هذا الفهم القضائي المتميّز على أساس أن فوات المدة المحددة نظاماً دون البت في التظلم من قِبل جهة الإدارة يعد بمثابة رفضها له، وهذه قرينة ينفيها قيام جهة الإدارة باستشعار حق طالب الإلغاء وسلوكها مسلكاً إيجابياً واضحاً نحو إجابته إلى طلبه، ذلك أن موقف جهة الإدارة لا يتحدد على نحو ثابت إلا بالإفصاح النهائي عنه.
فتحية إجلال لقضائنا الشامخ، أدام الله على بلادنا نعمة العدل وحفظ الحقوق.