كان المجتمع السعودي في أعلى وأشد حالات الترقب لما سينتهي إليه موضوع رسوم الأراضي البيضاء بعد أن حط رحاله في مجلس الشورى ثم انتقل إلى مجلس الوزراء لاتخاذ القرار بشأنه، وهو القرار الذي صدر بسرعة قياسية يوم الاثنين الماضي ليكون حدثا بارزا جعل الكثير يعتبرونه قرارا تاريخيا، وذلك ما يستحق التأمل والنظر إليه من أكثر من جانب.
طريقة التعامل مع هذا الملف تؤكد أن باستطاعتنا إذا أردنا اتخاذ القرارات بسرعة تقفز على حواجز الروتين والبيروقراطية التي أصبحت صفة ملازمة لأداء الجهات الحكومية بكل مستوياتها، وجعلت المجتمع لا يتوقع إنهاء أي موضوع والبت فيه خلال وقت معقول، ولعل إنشاء مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بأدائه الديناميكي الذي أزاح عن كاهلنا منظومة المجالس السابقة المترهلة والمتداخلة، وكذلك إعادة النظر في أولويات المواضيع التي تطرح في مجلس الوزراء، لعل ذلك يساهم في تسريع البت في مواضيع حيوية أخرى.
كما أن القرار أزاح التوجس من استطاعة النافذين الذين يملكون مساحات كبيرة من الأراضي البيضاء ويتحكمون في امبراطورية تجارة الأراضي، التأثير بشكل أو بآخر على صدوره، ومثل هذا التوجس تولد لدى المجتمع نتيجة تجارب سابقة في بعض المواضيع. الآن يمكن القول إننا أزحنا حاجزا نفسيا كبيرا يتيح الأمل بإزاحة التكتلات التي أرهقت المواطن في كثير من الأمور.
ومع أن القرار لن يجعل المواطن قادرا على امتلاك أرض بثمن معقول في المنظور القريب إلا أن ابتهاج الناس به يعكس الأزمة الهائلة في موضوع الأراضي عموما التي عانى منها الكل، المواطن ألغى طموحه بشراء أمتار قليلة منها لسكنه حتى لو كان دخله فوق المتوسط، المرافق الحكومية كالمدارس والمستشفيات وغيرها تتأخر بسبب صعوبة الحصول على أراضي، نشوء مافيا فساد مختصة بالأراضي انتشرت وتغولت ونخرت الذمم، أصبحت الأرض رواية على كل لسان تتخللها أحداث تشبه الأساطير، وحين يبتهج المواطن بقرار الرسوم فقد يعود ذلك إلى توقعه بقرب نهاية هذه الرواية الطويلة المملة المتعبة.
ومن المفارقات العجيبة، أن يتزامن صدور قرار رسوم الأراضي البيضاء مع خبر استعادة أراضي حكومية منهوبة خلال الخمس سنوات الماضية مساحتها مليار ونصف متر مربع في 12 مدينة ومحافظة فقط، حسبتها إحدى الصحف ووجدتها تساوي مساحة ثلاث دول، فهل يا ترى ستنتهي رواية الأرض فعلا عندما يتم استعادة المزيد وتقوم الدولة بتجهيزها وتسليمها للمواطنين. حتما ستنتهي ولن تقرأها الأجيال القادمة إلا من باب الاطلاع على إحدى عجائب الزمن التي حدثت لدينا فقط.