حملت صحف الأمس أنباء عن قرب حسم قضية رسوم الأراضي البيضاء في اجتماع هيئة كبار العلماء الأحد القادم، وهو خبر سار بكل المقاييس، وآمل أن تتم الموافقة عليه إذ لم يبق مواطن إلا وتضرر من واقع هذه الأراضي بحرمانه أو أبنائه أو أقاربه من حق الحصول على سكن مناسب. لن أخوض في معاناة شح الأراضي في دولة بحجم قارة وتأثيره السلبي الممتد إلى الخدمات العامة كالمدارس والمستشفيات، لكن سأتوقف لحظة عند اجتماع هيئة كبار العلماء الأسبوع القادم وجدول الاجتماع الحافل.
أوضح أمين عام الهيئة أن الجدول حوى عددا من المواضيع الهامة، منها المبالغ المالية المضبوطة بحوزة المتهمين في قضايا الإرهاب والأمن الوطني، وحكم إلزام المتقدمين للزواج بنتائج المشورة الطبية، والنظر في تنظيم زواج من هم دون سن البلوغ، والنظر في حكم فرض رسوم على الأراضي السكنية الواقعة داخل النطاق العمراني، وحكم التوقف عن عمليات الإنقاذ حال تعذر العثور على المفقودين جراء السيول والسقوط في الآبار. مواضيع كثيرة وهامة ولا شك وقد يكون فيها إرهاق لعلمائنا الأفاضل أعانهم الله، وأرى ألا ترفع إليهم إلا المواضيع الشائكة، ويرفع لها ما سواها بعد الدراسة للموافقة، غير أني وجدت فيها توجها أكبر لما يستجد من أمور الناس الحياتية، وهو اتجاه محمود إذ هو روح الإفتاء، وهو ما عودتنا عليه الهيئة الفاضلة، هو فقه الواقع الذي نحتاجه لمواكبة عصرنا بدلا من مخاصمته والعزلة عنه، ورحم الله من قال أينما وجدت مصلحة للناس فثم شرع الله.
وقد ترى الهيئة الكريمة إنشاء مركز للأبحاث تابع لها بدلا من الاستعانة ببحاث كل آن كما جاء في تصريح الأمين العام، وهو المتبع في كل الهيئات التشريعية حول العالم، ولعل كلمة تشريع هي ما يجفل منه بعض الدعاة، لكنها وبكل بساطة ممكنة هي تنزيل الأصل على فرع لاستنباط حكم على أمر مستجد، ولا يكون هذا إلا بصوغه في تشريع أو تنظيم ملزم، وكما أن الفتوى ظرفية تتغير زمانا ومكانا، فكذلك المواد النظامية قابلة للتغيير والتطوير كلما جد جديد. وفي موضوع رسوم الأراضي تحضرني قصة الفاروق رضي الله عنه مع الرجل الذي كان قد منحه الرسول عليه الصلاة والسلام فلاة كبيرة فانتزع عمر جزءا كبيرا منها، احتج الرجل أنها منحت له من الرسول عليه السلام، فرد عليه بما معناه لم تستثمرها أو تستخدمها وهي زائدة عن حاجتك.
آمل أولا أن يجاز استحصال الرسوم على الأراضي البيضاء، ولا أدري لم مرحلنا الحل بأن خصصنا الأراضي داخل النطاق المعماري، لأن تلك التي خارجه سيلحقها قريبا النطاق المعماري، وبالتالي سينطبق عليها ما هو حاصل حاليا، آمل أيضا ألا نكتفي بصدور الفتوى، بل نتبعها بتنظيم لتملك الأراضي يمنع ويحارب الاحتكار، فالاحتكار مذموم بكل أنواعه.
10 سبتمبر 2014