زيارة معالي وزير النقل إلى منطقة الجنوب وضحت أمورا كثيرة. فهي قد كشفت المستور الذي يعرفه منذ زمان الجميع. كما بينت مدى انفصال قطاع الاعمال أو جزء منه عن الواقع.
فمشكلة تزيين المواقع لتبييض الوجوه أمام المسؤولين ليست ظاهرة جديدة، ولا تقتصر على بلد دون غيره فهي موجودة في بلدان العالم، ولكن ضمن إطر إذا ما تعدتها تصبح مشكلة، ولذلك فإن حظ قطاع المقاولات المتعثر -كمشاريعه- قد جعلته يعكس الخلل. فالمشتقات الإلكترونية والأجهزة الذكية قد غيرت المعادلة، ولهذا يصبح التذاكي مصيبة إذا ما تعدى الأطر السليمة.
ولكن هذا ليس كل الأمر. فالمسألة أكثر تعقيدًا من ذلك بكثير، فهذه الظاهرة هي نوع من التستر على القصور وعدم إمكانية التنفيذ في الوقت المحدد. وهي مع مرور الزمن قد تطورت وتحولت إلى مرض مزمن، وذلك ضمن ما يعرف بالمشاريع الحكومية المتعثرة. فهذه الظاهرة إذا لم يوضع لها حل، في ظل توجهات المملكة لإعادة هيكلة الاقتصاد وتحقيق رؤية 2030، فإن الأمر سوف يستفحل ويؤدي إلى عجزنا عن الوصول إلى ما نطمح فيه.
إن قطاع المقاولات يعاني مشاكل كثيرة، وهي مشاكل معظمها ليست من داخل القطاع وإنما ناجمة عن قصور في التشريعات. فهناك خلل كبير في آلية إرساء المشاريع الحكومية على هذا القطاع؛ وهذا موضوع يفترض أن تضعه الهيئة السعودية للمقاولين على رأس أولوياتها باعتبارها الجهة المعنية بتطوير هذا القطاع حتى يتسنى الاعتماد عليه في تحقيق مشاريع التنمية المقبلة.
فالعديد من المشاريع لا زالت ترسي على مقاول بينما المنفذ هو مقاول أو مقاولين آخرين، وذلك عبر التعاقد من الباطن، ولهذا فليس مستغربًا أن تصل نسبة قضايا التستر التجاري في نشاط المقاولات المحالة إلى هيئة التحقيق والادعاء العام إلى 40% من إجمالي قضايا التستر، وفي الحقيقة فإن الشروط التي تضعها الجهات الحكومية لإرساء المناقصات تبدو وكما لو أنها قد فصلت على عدد محدود من شركات المقاولين.
فهناك شركات مقاولات ناشئة ولديها رأس مال كبير ولكن ليس لديها خبرة، كما أن هناك شركات مقاولات أجنبية تتلهف للحصول على نصيبها من الكعكة.
من ناحية أخرى فإن آلية إرساء المشاريع تعكس عدم الاستفادة من تصنيف المقاولين، فالمشاريع الحكومية ليست كلها بنفس الحجم وبالتالي فإن رأس المال والخبرة المطلوبة لا بد أن تكون متفاوتة، ولذلك فإن وضع تصنيف المقاولين قيد التنفيذ يفتح المجال أمام جميع شركات المقاولات للمشاركة في التنمية وفقًا لإمكانيات كل منها من حيث الخبرة وحجم رأس المال.