لو أن موظفا حكوميا استولى على دباسة من أملاك الدولة في المكتب الذي يعمل به لوجد في النظام ما يكفل إنزال الجزاء به والذي يكون عقوبة له وردعا لأمثاله، غير أن هذا الموظف نفسه لو فكر أن يستولي على مليون متر مربع من أراضي الدولة أوجبل من جبالها ووادٍ من أوديتها وشاطئ من شواطئها، وعلى رصيف من أرصفة الطرق فيها، لما وجد الذين يلقون القبض عليه في النظام أي مادة تحدد عقوبة على ما أقدم عليه وتحول بينه وبين تكرار الاستيلاء على أملاك مماثلة فضلا عن تكون عقوبة رادعة لمن يريد أن يحذو حذوه ويقتدي به ويستولي على أملاك هي ملك الدولة تقيم عليها من المشاريع الحكومية ما تشاء وتوزع منها على المواطنين ما تشاء كذلك.
لذلك لا غرابة أن تصبح الأراضي الحكومية لقمة سائغة وأن تكون مهمة مطاردة المستولين على أراضي الدولة في بطون الأودية والقفار شغلا شاغلا لمراقبي البلديات كما تصبح إزالة التعديات شغلا شاغلا كذلك غير أنها المهمة التي يبدو أن البلديات تحتاج توجيهات عليا كي توم بها.
لا غرابة أن يستمر مسلسل الاستيلاء على الأراضي ما دام أقصى ما ينزل بمن يستولون عليها إزالة ما أحدثوه عليها من إنشاءات، وهذا ما يجعل من عملية الاستيلاء مغامرة منخفضة التكلفة، فإما أن يظفر المستولون بما استولوا عليه لبعدهم عن أعين المراقبين أو لغض المراقبين الطرف عنهم أو تكون خسارتهم قاصرة على قيمة شبك نصبوه أو جدار بنوه والخسارة في كليهما لا تعد شيئا لو نجحت عملية الاستيلاء على أملاك حكومية لا يوجد نظام يعاقب من تسول لهم أنفسهم الاستيلاء عليها.