أوضحت دراسات أجراها المعهد العربي لدراسات المدن، أن مشكلة السكن في العالم العربي هي من أعنف الأزمات في المنطقة، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي، كما أنها الأكثر إرهاقًا للحكومات، إذ تتناوب الدول العربية على الصدارة في مشكلة السكن، فتارة تكون السعودية في المرتبة الأولى، وأخرى تنفرد مصر بالصدارة، وثالثة تخطف الجزائر الأنظار.
وأكدت الدراسات أن الحصول على الوحدات السكنية مشكلة متلازمة للشباب العربي، يعود عمرها إلى عقود، وهي متنوعة ولها أشكل عدة، إلا أنها في النهاية الأزمة الأكثر حصولًا على الوعود بالحل، ولكن هذه الحلول دائمًا لا تخرج للنور، ومع الأزمات السياسية والاقتصادية التي تمر بها المنطقة العربية ازدادت حدة مشكلة السكن، وتراجعت الحلول خطوة إلى الخلف.
مشيرة إلى أن نحو 60% من سكان المدن في الوطن العربي يقطنون بالعشوائيات، إذ يصل عمر الأزمة إلى نحو 600 عامًا، وحتى الآن لم تنجح أي دولة عربية في إيجاد حل مناسب لتلك المُعضلة، إلا أن التجربة التركية تبرز بوصفها حلًّا جيدًا وملائمًا للأوضاع الاقتصادية بالمنطقة.
وقالت الدراسات أن إحصاءات حديثة غير رسمية إن 73% من السعوديين لا يملكون مسكنًا، ونحو 30% من الذين يملكون مساكن، تكون غير لائقة، ويرجع ذلك إلى الارتفاع الكبير في أسعار العقارات، إذ إن الأزمة في المملكة قديمة ولكنها تتضخم كل عام، وتعد من التحديات الاقتصادية الكبرى أمام البلاد.
ورغم ضخامة النسبة التي تحتاج إلى السكن في السعودية، إلا أن الكساد سيد الموقف في سوق العقار، بالإضافة إلى أن المشروعات الجديدة ضئيلة جدًا، وذلك بفعل هبوط أسعار النفط، مما ساهم في هبوط السيولة الداخلية وقلة الاستثمار في القطاع العقاري، وهو ما تحاول المملكة إنعاشه.
مشكلة السكن في السعودية نالت النصيب الأكبر من الوعود، وأخر هذه الوعود ما تضمنته «رؤية 2030»، من منح الشركات الأجنبية والمحلية العاملة في مجال التطوير العقاري صفقات شراكة لبناء 1.55 مليون وحدة سكنية على مدى سبع أو ثماني سنوات، إذ قامت الدولة بتغيير دورها من مطور ومنفذ إلى منظم ومراقب للسوق، وفسحت المجال أمام القطاع الخاص لدخول مجال التطوير العقاري.
ويهدف هذا التوجه إلى زيادة نسبة التملك للسعوديين 5% على الأقل، لتصل من 47% حاليًا إلى 52% بحلول عام 2020، بحسب الأرقام الرسمية، فيما يتراوح حجم التطوير العقاري في السعودية حاليًا بين 95 و125 مليار ريال سنويًا، بينما يصل عدد الوحدات السكنية المطلوبة سنويًا إلى ما يتراوح بين 150 و200 ألف وحدة سكنية.
وأضافت أن الحكومة الجزائرية أطلقت تحديًا كبيرًا ببداية الربع الأول من العام الماضي، مفاده أن مشكلة السكن ستنتهي في البلاد بحلول العام المقبل، مما يعني أنها ستوفر أكثر من مليون وحدة خلال هذه المدة، ولعل هذا التحدي هو الأكبر من نوعه، في مشكلة يؤكد الجميع أنها تحتاج إلى العمل أكثر من التصريحات القوية.
وفي مصر فلن يختلف الوضع كثيرًا عن السعودية والجزائر، إذ إن امتلاك شقة هو حلم 49.2% من الأسر المصرية غير القادرة على شراء المساكن متوسطة الثمن، والتي تقدر قيمتها بـ225 ألف جنيه (12.5 ألف دولار)، إذ تتخطى 6.6 أضعاف دخلهم السنوي
وثلث الأسر المصرية تعيش في عمران محروم، وهذه الأسر محرومة من واحد أو أكثر من ستة مقومات قابلة للقياس الكمي، والتي استخدمت لتعريف المسكن الملائم، وهي: القدرة على تحمل التكاليف، والمسكن الآمن، وأمن الحيازة، ومساحة المعيشة الكافية (التزاحم)، ومياه الشرب الآمنة، والصرف الصحي المحسَّن، وأسعار الأراضي والمنازل في مصر، قد نمت على مدى السنوات الثماني الماضية بنسبة 19.6% سنويًّا، في حين نما متوسط الدخل بنسبة 5.4% سنويًّا خلال الفترة الزمنية نفسها.
وأفادت الدراسات أن تركيا قد أسست ما يسمى بالإدارة العامة للإسكان التركية (طوكي)، التي تم إنشاؤها في عام 1984، وكان الهدف منها حل مشكلة الإسكان المتراكمة في تركيا، وتلبية الطلبات المرتفعة على المساكن في المدن بشكل مخطط ومنظم، وبشكل خاص المواطنين أصحاب الدخل المحدود، وأخذت التجربة التركية اتجاهًا مختلفًا في التمويل، إذ أنشأت البلاد صندوقًا نقديًّا خاصًّا بـ(طوكي) وذلك لتحقيق طريق الاكتفاء الذاتي، المنفصل عن الميزانية العامة للدولة، وتعتمد مصادرها على التجارة العقارية عن طريق شراء أراضٍ أو مناطق سياحية وتأجيرها.
كانت الوظيفة الأساسية لطوكي تيسر مساكن لمحدودي الدخل، إذ كانت تبيع لمحدودي الدخل المساكن بالتقسيط طويل المدى، وتقوم بتطوير المشاريع التجارية والسياحية وشراء الأراضي والمساكن الفخمة وبيعها للأغنياء، ومن ثم تستعمل أموال الربح في بناء وحدات سكنية على شكل مدن سكنية وبيعها وتخصيصها للمواطنين ذوي الأجور المحدودة.
اعتمدت طوكي أيضًا على استراتيجية مختلفة بعض الشيء، إذ كانت تعطي المقاولين الأراضي ليقوموا بإنشاء المدن السكنية الضخمة عليها، ثم تقوم طوكي بدلًا من دفع الأجرة النقدية للمقاولين بتقاسم بعض الشقق معهم، والتي تساوي الأجرة وبذلك تستطيع إتمام مدن ضخمة من دون دفع نقدي مسبق، ولعل أبرز المشاريع التي أتمتها طوكي هي: باشاك شهير – 2454 وحدة، كوزي يلديز – 750 وحدة، مافي شهير – 700 وحدة، جيهان – 850 وحدة سكنية، ووضعت طوكي عدة شروط للحصول على وحدة سكنية أبرزها: أن يكون محدود الدخل (750 ليرة)، ومقيمًا في العشوائيات، ويتلقى راتبه من خلال البنوك لضمان السداد.
ونجحت التجربة التركية وفق عديد المقاييس، إذ أصبحت عدة مدن تركية ضمن قائمة أفضل مدن عالميًا في النمو العمراني في السنوات الأخيرة، لذا ربما يمكن للدول العربية محاولة الاستفادة من التجربة التركية لحل مشكلة الإسكان، والقضاء على 60 عامًا مما يراه العديد من المراقبين فشلًا ذريعًا.