في يونيو (حزيران) 2011 أقر مجلس الشورى السعودي توصية بإعداد لائحة تنظم فرض رسوم على الأراضي غير المطورة داخل النطاق العمراني، أو ما يعرف في السعودية بـ«الأراضي البيضاء». هذه التوصية رفعت بها لجنة الإسكان والمياه والخدمات العامة، وكان المقترح بفرض رسوم سنوية. ويأتي ذلك ضمن مطالبات لأعضاء المجلس وقتها لتفعيل الاستراتيجية العمرانية الوطنية والتي أطلقت عام 2000 ما يوافق 1419 للهجرة. هذه الاستراتيجية تبعتها توصيات في ذلك الوقت منها فرض رسوم على الأراضي البيضاء.
وللعودة إلى تلك المداولات فإن مجلس الشورى في السعودية أقر بتاريخ 28 يونيو 2004 قرارا ينص على أن تقوم وزارة المالية ممثلة بـ«مصلحة الزكاة والدخل» بجباية الزكاة على الأراضي المعدة للتجارة، ويكون ذلك بالتنسيق مع وزارة التجارة والصناعة والجهات المعنية. وجاء في شروط القرار أو مواصفات الأرض التي تنطبق عليها الشروط أن تكون معروضة للمساهمة العامة، أو أن تكون الأرض داخل النطاق العمراني (حيث تكون من السعة بحيث لا يتصور عرفا أن تكون للاستعمال الخاص)، أو تكون خارج النطاق العمراني وليس هناك ما يدل على أنها تستعمل للزراعة أو لغرض غير تجاري، أن يزيد ما عنده من أراض عن حاجته الخاصة وحاجة أسرته أو يتعدد صرفه بالأرض شراء وبيعا. وتبع ذلك عدة شروط في القرار.
هذه التوصيات في قرار مجلس الشورى كانت ضمن خطط مواجهة مشكلة الإسكان، والتي بدأت الحكومة السعودية تشرع في البحث عن حلول لها منذ 2000م، عبر مناقشات وتوصيات بدأ تفعيلها في 2010، ومن ثم طوّر مجلس الشورى السعودي تلك المناقشات بعد نقاش بين الأعضاء بعد طرح قدمته لجنة الإسكان والمياه والخدمات العامة، ليكون بعد ذلك الأخذ والرد من عدة جهات، منها هيئة كبار العلماء في السعودية والمجلس الاقتصادي الأعلى – ألغي بمرسوم ملكي يناير (كانون الثاني) الماضي – وأنشئ مجلس جديد اسمه مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية يرأسه الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز وزير الدفاع رئيس الديوان الملكي المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين.
ومن الأفكار والرؤى التي بدأت بالظهور على السطح منذ إعداد الاستراتيجية العمرانية الوطنية كانت عام 2002م بتوصية من مجلس الشورى بقرار رقم 59 / 72 وتاريخ 10 / 2 / 1423 جاء في أحد بنوده: «دراسة إمكانية مشاركة القطاع الخاص في تطوير المخططات الحكومية الخاصة بمنح المواطنين لتوفير الخدمات اللازمة». وتبع ذلك بعد 6 أشهر توصية بتخصيص مبلغ سنوي لزيادة رأسمال صندوق التنمية العقاري وتكون ضمن الميزانية العامة للدولة، للرفع من مقدرة الصندوق على إقراض المواطنين.
ومنذ ذلك الوقت كانت الأفكار طور الدراسة والمداولة، إلا أن تعثر وزارة الإسكان في تنفيذ المشاريع المناطة بها وعدم قدرتها في الأربع السنوات الماضية على وضع برامج على أرض الواقع لتوزيع الأراضي وإشراك القطاع الخاص في توفير السكن بأسعار مناسبة عطل تنفيذ عدد من القرارات والتوصيات التي أقرت بقرار رقم 102 / 50 وتاريخ 26 / 8 / 1435هـ.
وبالعودة إلى فرض زكاة على الأراضي البيضاء والتي كانت محل نقاش منذ 15 عاما، فإن الشورى السعودي رفع توصية بفرض ما نسبته 2.5 في المائة زكاة على الأراضي البيضاء سنويا، وكانت هذه التوصية مطلع عام 2012 وبعد 8 أشهر تحديدا من إقرار المجلس بضرورة فرض رسوم على الأراضي غير المطورة الواقعة داخل النطاق العمراني، وإقرارا للتوصية المرفوعة عام 2004 بتحصيل رسوم سنوية وفرض زكاة على الأراضي غير المطورة.
وحسب معلومات حصلت عليها جريدة الشرق الأوسط فإن دراسة كاملة مع توصياتها رفعها الشورى السعودي للمجلس الاقتصادي الأعلى (ألغي في يناير الماضي) متعلقة بفرض رسوم على الأراضي البيضاء، وكانت قبل أكثر من 9 أشهر.
وحسب مراقبون، فإن الإرادة الملكية حسمت هذه المسألة، وذلك بعد تعهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في خطابه الأول للمواطنين في العاشر من مارس (آذار) الحالي أن يكون السكن أولوية، والتي أعقبها اجتماع لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة الأمير محمد بن سلمان استمع فيه مع أعضاء المجلس لعرض مقدم من وزير الإسكان شويش الضويحي، والذي أعفي من منصبه وكلف بالوزارة بدلا منه الدكتور عصام بن سعد بن سعيد.
وفي قرار حاسم، يعكس إرادة خادم الحرمين الشريفين بالإسراع في تنفيذ كل ما يتعلق بالشؤون الخدماتية التي يحتاجها المواطن، كان قرار مجلس الوزراء السعودي برئاسة الملك سلمان الاثنين الماضي بفرض رسوم على الأراضي البيضاء الواقعة داخل النطاق العمراني، وذلك بعد توصية مرفوعة من مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ليؤكد ذلك أبرز ملامح العهد السعودي الجديد داخليا، الحسم والتنفيذ.