برزت الحاجة للمساكن صفرية الطاقة، بالسعودية في ظل توجه عالمي لمواجهة تحديات الطاقة والتي تتعلق بمشاكل بيئية واسعة مثل الاحتباس الحراري، وتلوث الهواء، واستنفاد طبقة الأوزون.
ومن القضايا التي أثيرت بشأن تطبيق هذه المساكن في السعودية، أن هناك عوائق تواجه تطبيقها، ومن أهمها عدم التأكد بشأن قدرتها على التكيف مع المناخ المحلي، وهذا ما دفع الباحثين السعوديين المهندس فرج الله آل رشيد بكلية الهندسة والبيئة المبنية، جامعة جلاسكو كالدونيان في جلاسكو بالمملكة المتحدة، والدكتور محمد آصف بقسم الهندسة المعمارية، جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران بالمملكة العربية السعودية، إلى البحث في تحجيم عدم اليقين الحاصل، وتركز بحثهما بشكل رئيس على العوامل المناخية الأربعة المتعلقة بتطبيق المساكن صفرية الطاقة، وهي: درجة حرارة الهواء، والرطوبة النسبية، وسرعة الرياح، والإشعاع الشمسي الكلي.
مراجعة ملاءمة المساكن الصفرية لمناخ المملكة
اهتمت الدراسة بمراجعة الظروف المناخية للسعودية ومفهوم المساكن صفرية الطاقة، بالإضافة إلى دراسة بعض هذه المساكن التي قد تم تنفيذها حول العالم في مناخات مماثلة للظروف المناخية للأقاليم المناخية في السعودية.
تقول الدراسة إنه يوجد في السعودية خمسة أقاليم مناخية مأهولة بالسكان متمثلة بمدن الظهران، والقريات، والرياض، وجدة، وخميس مشيط، ونظريا إذا تم بنجاح تطبيق المسكن صفري الطاقة في مكان ما بالعالم فإن قدرته على التكيف في مناخ مماثل في مكان آخر ممكنة نسبيا، لذا فخمسة مساكن صفرية الطاقة من التي تم تنفيذها عالميا في مناخات مماثلة لهذه المدن في السعودية قد تم اختيارها كحالات دراسية لغرض البحث ولمقارنة هذه الحالات مع قرينتها في السعودية، لذا تم إعداد مسكن افتراضي بناء على نتائج استبيان أجري على 403 مواطنين من مختلف مناطق السعودية.
الدراسة اعتمدت على برنامج المحاكاة (IES) في بناء مسكن افتراضي يتلاءم مع متطلبات أغلب المستجيبين للاستبيان، والذين أبدوا رغبتهم في أن يكون فيلا بدورين على أرض بمساحة 500 متر مربع وتحتوي هذه الفيلا على أربع غرف نوم.
وبمساعدة البرنامج تمت المقارنة بين أداء الطاقة لهذا المسكن الافتراضي في الخمس مدن الممثلة للأقاليم المناخية في السعودية، وبأخرى حقيقية بخمس مدن أمريكية تشبه في مناخها مثيلاتها السعودية.
كفاءة الطاقة أساس المساكن الصفرية
للاقتراب من هدف دراسة الباحثين التي حملت عنوان «تحليل ﺍلعوامل المناخية المتعلقة بتطبيق المساكن صفرية الطاقة في السعودية» يجب التعرف على ما هي المساكن صفرية الطاقة (Zero-energy building)، إذ يصف المصطلح العام هذه المباني بأنها التي تستخدم شبكة من استهلاك الطاقة وانبعاثات الكربون سنويا مقداره صفر، ويمكن استخدام المباني صفرية الطاقة بشكل مستقل عن شبكة إمدادات الطاقة.
ويكتسب مبدأ الاستهلاك لشبكة صفر الطاقة، أو ما يختصر بـ «ZNE»، قدرا كبيرا من الاهتمام بالطاقة المتجددة كوسيلة لخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
ويقوم مبدأ هذه المساكن على استخدام تدابير كفاءة الطاقة لتقليل احتياج الطاقة فيها، على أن يتم تزويدها فيما بعد بتكنولوجيا الطاقة المتجددة لتلبية احتياجاتها الكاملة من الطاقة على مدار السنة.
ففي هذه المساكن لا يتم استخدام الطاقة ذات المصدر الأحفوري مطلقا، ولكن تستخدم طاقة من مصادر متجددة، والتي تكون إما مرتبطة بشبكة الكهرباء المحلية أو مستقلة بذاتها تماما.
حداثة مفهوم المساكن الصفرية
يعد مفهوم هذا المسكن جديدا نسبيا للقطاع السكني في السعودية، وفي المقابل هناك عدد من هذه المساكن تم بناؤه بنجاح في أماكن عديدة حول العالم لأغراض علمية وتجارية.
ولصناعة البناء والتشييد دور رئيس في معالجة هذه المشاكل حيث إنها مسؤولة عن أكثر من 40% من إجمالي استهلاك الطاقة في العالم، ومسؤولة أيضا عما نسبته 30% من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وفي السعودية يقود قطاع المساكن هذه الصناعة حيث يفرض هذا القطاع تحديات طاقية وبيئية، وتتشكل أهمية هذا القطاع، لكونه في نمو مستمر، وأنه مسؤول عن استهلاك 50% من الكهرباء في البلاد، لذا فمن المهم للسعودية أن تقوم بترويج ممارسات مستديمة في هذا القطاع، ومثال ذلك تطبيق المساكن صفرية الطاقة.
الطاقة القصوى ومتوسط الطاقة الكهربائية أساسا المقارنة
قبل أن تجرى المحاكاة بين المساكن في المدن الأمريكية والسعودية المختارة للدراسة، تمت مقارنة أداء الطاقة للمسكن المتطور لغرض هذه الدراسة مع 20 مسكنا مشابها له من ناحية نوع نظام التكييف، واستخدام العوازل الحرارية، وأنواع النوافذ المستخدمة، ونوع الوقود المستخدم لمعدات الطبخ المنزلية، وتم اختيار مدينة الظهران لسبب الحساسية المرتفعة لهذه المدينة من ناحية درجة حرارة الهواء والرطوبة النسبية.
ومن ثم تمت المقارنة بناء على الاستهلاك السنوي للمسكن في هذه الدراسة والمساكن المشابهة، واستنتجت هذه المقارنة أن المسكن في هذه الدراسة يستهلك 135 كيلو واط لكل متر مربع وهذا قريب جدا لمتوسط الاستهلاك السنوي المشابه، وهو 137 كيلو واط بالساعة لكل متر مربع، وبعد ذلك تمت مقارنة المسكن الافتراضي في العشر مدن بناء على الطاقة القصوى ومتوسط الطاقة الكهربائية.
استبعاد إعاقة المناخ للمساكن الصفرية
خلصت الدراسة إلى استنتاج مهم، وهو أن الظروف المناخية السعودية ونظيرتها العالمية متقاربة جدا، وهذا يقود إلى أن المناخ في السعودية ليس عائقا لتطبيق المباني ذات الطاقة الصفرية.
لكن الدراسة تشير إلى أن هناك قضية مهمة جدا، وهي أن استهلاك الطاقة في المساكن صفرية الطاقة يصل بين 53 كيلو واط بالساعة لكل متر في فينكس و18 كيلو واط للساعة لكل متر في بحيرة بينيت.
وهذا يقود إلى أهمية تخفيض استهلاك الطاقة في المسكن السعودي إلى أكثر من النصف تقريبا من أجل تطبيق مفهوم المسكن صفري الطاقة.
كما استنتجت الدراسة أن الظروف المناخية المحلية قد تجعل من تطبيق هذا المسكن أكثر تحديا في مناطق مثل جدة بالمقارنة مع مناطق أخرى مثل خميس مشيط.
14 يناير 2015