يلاحظ المتتبع لأكثر المؤشرات قراءة والجدل شيوعاً، ثلاثة ملفات الإسكان والصحة والتعليم، استحوذت على اهتمام الشارع السعودي، وأضحى الإنسان يبحث عن المسلّمات الضمنية التي تمثل الواقع ولا يكترث بحقيقتها، واستند على بعض البيانات التي تبني فروضا خاطئة ومعلومات غير دقيقة، فضلا عن تجربة يعايشها بكل ما فيها من تناقضات ومظاهر لصراع محتدم في جوانبها ساهمت في عجزه، كأنه يسير نحو التقدم بخطى ثقيلة ويقف بمحاذاة الماضي بلا زمن، بل ظل يراوح مكانه القديم، لكثرة الجدل، توقفت معه كل العادات الجميلة والعميقة في التعامل، فالفرد اليوم غير قادر على التفكير بذاته دون وصاية، وبالتالي القيمة والمعيار فُقدا من قاموسه، وعادة الإنسان المعاصر أنه يرنو لما يحقق ما يلزمه في وقت محدد رغم رياح الأحداث المتسارعة التي عصفت بقناعاته وتعاكست مع أحلامه.
لقد فقد الثقة فيمن حوله عندما تحولت بعض الأمور العامة والحيوية في حياته إلى ألوان باهتة وظروف اقتصادية وعقبات عطلت أهدافه، فتضخم كل شيء في فضاء آماله الوظيفية سواء أكان المسكن أم ملف الصحة، وصعب عليه ما يريد وما يخطط له، لكثرة التصريحات والإعلانات والقراءة، وانتقل تشخيصه إلى أن الأولويات عطاء مقنن ومشروط، فلو قلنا خير العطاء ما وافق الحاجة لوجدنا كائناً يحمل قيما أخلاقية ويعطي ما ينبغي أن يكون ولا تجد عملاً أو تطبيقاً يبحث عن قفزة خارقة إلى حقبة تاريخية مختلفة.
فالحياة في مفهومها العميق شيء وجداني قبل أي فلسفة أو تعريف، فمتى نجا الفرد من عجز المسؤولية والتبعية الكسولة فهو قد تجاوز ثنائية مزدوجة ووجد مكانته في ميادين الحياة، والتزم تجاه قدراته وفكره وثقافته التي تمكنه من دخول معترك الأزمات وأنماط مجتمعه.
وفي بداية مشروع الاسكان تفاءل المواطن كثيرا وبنى قصوراً من الأحلام ولكن تلبية المطالب الكبيرة أكبر من تعامل الوزارة مع هذا المشروع الضخم، فكانت آخر المستجدات استفتاء لمعرفة الأولوية عند المواطن الإسكان أم الصحة والتعليم؟
ولا نقول إن من أسباب التأخير هو عدم اكتمال المنتجات السكنية بل إن هناك مرحلة أخرى لا تقل أهمية عن جاهزية الاسكان وهي الأراضي التي تقام عليها الوحدات السكنية ناهيك عن فرض رسوم على الأراضي البيضاء الواقعة داخل النطاق العمراني والبت فيها، بإيعاز من وزارة الإسكان ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية فالمسألة أكبر بكثير من اربع سنين أو خمس للتنفيذ.
وفي الإطار ذاته ارتفاع أسعار العقارات يميل مؤشره إلى موجة تصاعدية، أثقلت كاهل الشباب الباحث عن سكن الزوجية، فالدولة تعمل في ظل التحركات الأخيرة، إلا أن الفرد المعاصر يكشف بوضوح عن عمق التشظي في علاقة العمل بالزمن، وكيف يكون هذا التشظي مزعجاً ومقلقاً حينما يتحول الإنجاز إلى عدة محاور ومصادر ووسائل أخرى أكثر تعقيداً.
في حين أن هاجس المواطن قد أسس تغييرا في السياج الذي تحصن به من جشع العقار والعقاريين ولم تغب عنه ثقافة الإعداد لمشروع يعتمد على برنامج تمويل وإقراض يتوافق والإمكانات المادية المناسبة لدخله المادي وأسس سكنا في بيت الأسرة، فكل حضارة أسست لنفسها سياجها المنطقي الذي يخصها، وحولت الثقافة الأساسية للمجتمع المتلقي إلى إنشاء مواقع استراتيجية نفعية تحركها المصالح الحيوية قبل أن تعتمد على وزارة أو أي قطاع خدمي.
الأمر الذي جعل “صامويل هينتنغتون” يردد يجب أن نعرف من نحن قبل أن يكون بإمكاننا معرفة مصالحنا؟