القروض العقارية أو التمويل العقاري يعد أحد أهم مكونات التمويل الاستهلاكي ــ كما هو معلوم، فالتمويل العقاري يعد أحد أهم قطاعات التمويل، الذي يسمى بالرهن العقاري، وهو أحد أهم أنشطة المصارف في كثير من دول العالم، بل يوجد في بعض الدول شركات متخصصة في التمويل العقاري، وفي المملكة الآن وبعد هذا النمو في حجم التمويل العقاري واهتمام جهات متعددة بهذا التمويل بدأت تظهر مجموعة من الشركات المتخصصة في التمويل العقاري، وصدرت مجموعة من التراخيص لبعض هذه المؤسسات لمزاولة هذا النشاط، إذ إنه يوفر لها فرصا كبيرة لاستدامة عوائد التمويل من خلال أداة للتمويل، يمكن أن تصنف بأنها متوسطة إلى طويلة الأجل، كما أن الضمانات في التمويل العقاري تعد إلى حد ما ذات كفاءة عالية، باعتبار أنه يتم رهن العقار في حال تعثر المستفيد في السداد.
النمو في التمويل العقاري تجاوز 120 في المائة في أقل من خمس سنوات كما في التقرير الذي نشرته صحيفة “الاقتصادية” في عددها رقم 7605، حيث بلغ في الربع الأول من عام 2014، 123.4 مليار مقارنة بـ 43.7 مليار في عام 2009، وحصة الأفراد منه تبلغ 62 في المائة، وهي تعادل قيمة مقدارها 76.75 مليار ريال مقارنة بحصة الشركات التي تبلغ 38 في المائة بقيمة 46.6 مليار ريال.
هذه الأرقام تعكس نموا يمكن أن يوصف بأنه متوازن إلى حد ما، رغم الارتفاع الذي يتجاوز 20 في المائة بصورة سنوية، وهذا يعكس أمورا متعددة تتعلق بالتمويل العقاري في المملكة. إذ إن هذه الأرقام تدل على الاهتمام الكبير لدى المواطنين بالسكن كأولوية مقارنة بالاحتياجات الأخرى، علما بأن نسبة تملك السكن في فترة سابقة شهدت انخفاضا، ومن ثم ارتفعت نسبة تملك المواطنين لاحقا، ونمو حجم التمويل يدل على ذلك، علما بأن هذا النمو مستثنى منه النمو في حجم التمويل العقاري في المملكة بصورة عامة، خصوصا بعد زيادة مخصصات صندوق التنمية العقاري، مما انعكس في زيادة حجم التمويل الذي يقدمه، إضافة إلى مشاريع حكومية واجتماعية بغرض تيسير تملك السكن للمواطنين.
هذه الأرقام تدل على حجم الطلب الكبير الذي يشهده السوق العقاري الذي ارتفع بصورة كبيرة خلال السنوات الماضية بدءاً من عام 2007، حيث ارتفعت الأسعار إلى ما يتجاوز الضعف والضعفين في بعض المدن والمناطق في المملكة، ونمو حجم التمويل يعزز من احتمال استمرار النمو في أسعار الأراضي خصوصا في الأحياء الجديدة التي يمكن أن تشهد زيادة في نشاط البناء بعد ضخ هذا الحجم الكبير من الأموال للسوق العقاري بغرض توفير المساكن، علما بأن بعض المواقع قد بلغت أسعارا قد تكون مبالغا فيها، مما يجعل احتمال ارتفاع أسعارها غير ضئيل.
لا يزال حجم تمويل الشركات العقارية محدودا مقارنة بحجم تمويل الأفراد، وهذا قد يؤدي بالضرورة إلى قلة في حجم مشاريع التطوير العقاري مقارنة بحجم الطلب على المساكن، إذ إن إحدى الصعوبات التي يواجهها بعض المطورين العقاريين هو الحصول على التمويل لتنفيذ مشاريع التطوير العقاري، وهذا يعزز من استمرار حالة الزيادة في الطلب على المساكن مقارنة بما هو متاح، خصوصا مع شح عرض الأراضي داخل النطاق العمراني مقارنة بحجم الطلب الكبير عليها.
هذا النمو في حجم التمويل يوحي برشد عملاء المصارف بالزيادة في الطلب على التمويل للاحتياجات الضرورية مقارنة بحجم الطلب على التمويل الاستهلاكي للأمور التي قد لا تكون ذات حاجة مثل السلع الاستهلاكية والتمويل بغرض السياحة. وهذا وإن كان يلحق المستفيد منه تكلفة إلا أنه يعتبر نوعا من التمويل الذي يقدم إضافة للمستفيد بسبب أنه يخفف عنه عبء الإيجار السنوي، كما يحقق له قيمة مضافة بسبب الارتفاع المتوقع في أسعار العقار مستقبلا، بسبب عوامل مثل التضخم.
هذا النمو في حجم التمويل يدل على أن مجموعة من البرامج الحكومية والتشريعات والتنظيمات الجديدة أسهمت في تشجيع المواطنين على طلب التمويل، وتركيز مؤسسات التمويل مثل المصارف على توفير فرص أفضل للأفراد للحصول على تمويل بغرض شراء السكن، كما عززت من الطلب لدى الشركات لتنفيذ مشاريع استثمارية في التطوير العقاري.
فالخلاصة أن النمو في حجم التمويل العقاري يدل على استمرار وتيرة الطلب على المساكن، وقد يكون له انعكاسات إيجابية تتعلق بتركيز الأفراد على التمويل للأمور الضرورية بدلا من التمويل الاستهلاكي للاحتياجات الكمالية التي تمثل عبئا على الأفراد، ومن آثاره الأخرى أنه قد يؤدي إلى استمرار الارتفاع أو استقرار أسعار الأراضي التي تعد مرتفعة حاليا، والتي ستؤدي إلى أن تكون عبئا إضافيا على الأفراد.