أصدرت مؤخرا شركة وثرة للتطوير العقاري إحدى كبريات شركات تطوير البنية التحتية و مخططات الأراضي تقريرها الدوري الذي يرصد أهم التطورات في مجال صناعة العقار ويركز الضوء على الرافد الرئيسي لهذه الصناعة الإستراتيجية و هو تطوير وتجهيز البنية التحتية للأراضي الخام بهدف تجهيزها للبناء وبالتالي زيادة المعروض من الأراضي والوحدات السكنية في السوق لتلبية الاحتياج المتزايد للمواطن السعودي وجسر الفجوة المتزايدة بين الطلب والمعروض.
وقد رصد تقرير شركة وثرة تطورا مهما ومؤثرا حيث أعلنت المملكة عن مبادرات عدة، تعزز وتسرع من إيجاد حلول لمشكلة ندرة الأراضي الصالحة للبناء في المناطق المختلفة، وهو ما يعجل بحسب مراقبين بحل أزمة السكن في أقرب وقت ممكن، ويعمل على استقرار أسعار الأراضي البيضاء في سوق العقار، ويوقف عمليات المضاربة عليها من قبل تجار ومستغلين لها.
وأهم هذه التطورات جاءت من وزارة الشؤون البلدية والقروية، حيث أعلنت قبل أيام عن خطة طموحة تعد الأكبر من نوعها لتطوير المخططات السكنية في مختلف مناطق المملكة ستطال أكثر من 3700 مخطط، تستوعب حوالى 2.5 مليون قطعة أرض سكنية. وتصف وزارة الشؤون البلدية والقروية مشروع تطوير المخططات، بأنه من أكبر المشاريع لخدمة المواطنين في المجال السكني لعدة سنوات مقبلة، وقالت إن المواطن لن يجد صعوبة في توفير قطع الارض الملائمة لسكنه نظرا لتوفر المطلوب بشكل غير مسبوق. وأكدت أن الأمانات ستضخ تبعاً المزيد من الأراضي ذات المساحات الشاسعة لصالح وزارة الإسكان من أجل تطويرها والاستفادة منها في توزيعها على المواطنين.
ويحلل التقرير العقاري الصادر عن شركة وثرة للتطوير العقاري أن التوسع في تطوير مخططات الأراضي، سوف يسهم بشكل إيجابي وملموس في إعادة التوازن المنطقي إلى قطاع العقار، ويعزز مشاريع السكن، سواء التابعة لوزارة الإسكان، أو التابعة للأفراد والمستثمرين العقاريين. إلا أن التقرير يرصد تحديا خطيرا وهو ضرورة تسريع وتيرة العمل في مراجعة واعتماد المخططات في الأمانات والبلديات ليتواءم مع توجه وزارة البلدية والقروية لتطوير مخططات المنح، وهذا يستدعي مضاعفة الطاقة الاستيعابية لفرق العمل واللجان الفنية واللجان الرئيسية المنوط بها مراجعة وتعديل واعتماد المخططات في كافة الامانات والبلديات بمناطق المملكة المختلفة.
وأشار التقرير إلى أن ضخ مخططات جديدة، بات أمراً حتمياً، ويجيء استجابة للزيادة المطردة في عدد سكان المملكة، والمتوقع أن يبلغ نحو 30 مليونا بعد عامين (2017)، أي ضعف ما كان عليه منذ 30 عاماً، بزيادة قدرها 40 في المائة عن العام 2010، وفقاً لدراسة أعلنتها يورومونيتر إنترناشيونال، مع ارتفاع نسبة الشباب دون ال40 عاماً من السنّ.
ورصد التقرير تباينا في معدلات النمو السكني يتراوح بين المتوسط السائد 2.55% سنويا على مستوى المملكة والذي يتركز و يرتفع إلى 8% سنويا في المدن الكبرى، مما أدى إلى قفزة هائلة في الكثافة السكنية في المدن الرئيسية وصلت إلى 120% في السنين الأخيرة.
ويخلص تقرير شركة وثرة إلى أن دلالة ذلك التباين وتأثيره على صناعة العقار هو ضرورة تركيز تطوير المخططات في محيط هذه المدن الكبرى وتحديدا في الرياض، مكّة المكرّمة، وجدّة التي تُعتبر من أسرع المدن نموا في عدد السكان في العالم.
ولفت تقرير شركة وثرة العقاري إلى تحدٍ آخر يواجه عملية التطوير وسد الفجوة إلا وهو أن معظم مناطق المملكة تعتمد في مشهد التعمير والإنشاء، على قاعدة التوسع الأفقي، يساعدها على ذلك اتساع مساحتها البالغة نحو 2.250.000 متر مربع، ولاحظ التقرير أنه وعلى مدار عشرات السنوات من إتباع هذه القاعدة، وجد أن غالبية الأراضي والمخططات في المدن، مملوكة لأشخاص يرفضون التفريط فيها، إلا بالأسعار التي ارتضوها لأنفسهم، مما يؤخر بشكل ملحوظ طرح هذه الأراضي للسوق، يضاف إلى ذلك أن قاعدة التوسع الأفقي طيلة هذه السنوات، تزيد من الضغط على جهات الخدمات من شركات المياه والكهرباء والهاتف، وتلزمها بتوفير البنية التحتية لما يتم استصلاحه من مخططات جديدة، ومدها بالخدمات من المياه والكهرباء والصرف الصحي والهاتف.
هذه التحديات الثلاث المتمثلة في الوقت المستهلك في معدلات مراجعة واعتماد المخططات في البلديات الأمانات ثم احتفاظ الملاك بالأراضي انتظارا للأسعار التي يرونها ملائمة وأخيرا قدرة شركات الخدمات على مد البنية التحتية للأراضي الخام كان من نتيجتها تباطؤ ملحوظ في المعروض يقابله تزايد عالي الوتيرة في الطلب، وأصبح الطلب أكثر من العرض، بدليل أن المخططات تُباع في زمن قياسي، ثم يتم تداول أراضيها بهدف المضاربة و ليس البناء، وأسفر ذلك عن ارتفاع جنوني ومستمر في أسعار الأراضي الصالحة للبناء، وتشجع بعض التجار على إجراء عمليات مضاربية، أشعلت أسعارها بشكل أكبر، وهو ما أربك قطاع العقار، وزاد من حدة الاتهامات لجميع العاملين فيه، بأنهم يستغلون أزمة السكن، ويبالغون في أسعار ما بحوزتهم من أراض.
ويوصي تقرير شركة وثرة بناء على التحليل السابق إلى مجموعة من التوصيات يرى فيها حلولا للمشكلة وتسهم بشكل ملحوظ في تجسير الفجوة بين المعروض والطلب المتزايد: التأكيد على إيجابية التوجه الحكومي لطرح مخططات خام للتطوير بكميات كبيرة. ووجه التقرير دعوته المبنية على خبرة الشركة في تطوير المخططات إلى الوزارة وبقية الجهات الرسمية، بضرورة فتح النطاق العمراني في مناطق المملكة كافة، لتطوير المزيد من المخططات السكنية والتجارية.
وأوصى التقرير بضرورة مضاعفة القدرة الإنتاجية لفرق العمل والموارد المخصصة لمراجعة وتعديل واعتماد المخططات في الأمانات والبلديات وذلك بهدف مضاعفة عدد المخططات المعتمدة سنويا أربعة أو خمسة أضعاف على الأقل.
ويوصي التقرير ببناء شراكة بين مطوري الأراضي والجهات الحكومية تتمثل في إسناد تطوير الأراضي للقطاع على غرار مبادرة وزارة الإسكان بالشراكة مع القطاع الخاص في بناء المساكن والتي استعانت أخيراً بشركات التطوير العقاري لتطوير عمائر سكنية في كل الرياض من جدة والمدينة المنورة والدمام والقطيف في المنطقة الشرقية، وأخيرا أوصى التقرير بمراعاة التركيز في الأراضي المطورة في المدن الكبرى ومحيطها ولموائمة الزيادة السكانية غير المسبوقة في هذه المدن.
المصدر :جريدة الرياض