تعتبر مشكلة الإسكان مشكلة عالمية تختلف نسبها انخفاصاً وارتفاعاً من دولة لأخرى، إلا انها تصبح هماً كبيراً ووسيلة احباط وتذمر عندما تترافق كما هو حاصل لدينا مع الغلاء الفاحش في الايجارات خصوصا عندما تستحوذ على اكثر من (40%) من دخل الفرد ناهيك عن المغالاة في اسعار العقارات حيث تتجاوز ارباح المطور (50%) من التكلفة خصوصا ان اغلب مدننا لا تعاني من صعوبات طبوغرافية.
ولعل مشكلة الإسكان لدينا ناجمة عن ان وتيرة تزايد عدد السكان تسبق وتيرة تزايد عدد المساكن وذلك نتيجة تباطؤ وتيرة التطوير العقاري اللازم للوفاء بمتطلبات تلك الزيادة في عدد السكان وعلى الرغم من التسهيلات التي تقدمها الدولة لحل مشكلة الإسكان الا ان المغالاة باسعار الاراضي واسعار الوحدات السكنية وارتفاع الايجارات تقف حجر عثرة دون تحقيق سرعة حل تلك المشكلة بل انها فاقمتها فعلى الرغم من وجود وسائل عديدة لحل مشكلة الإسكان الا ان وزارة الإسكان تركز على وسيلة او وسيلتين هما ارض وقرض او البناء ثم التمليك بينما وسائل الحل الاخرى لا زالت مهملة وغير مطروقة خصوصا.
إن هناك كثيراً من الاراء والحلول الناجعة التي طرحت، لو أخذت وزارة الإسكان ببعض منها لقضي على المشكلة بتكاليف وزمن اقل ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر: السماح بتعدد الادوار على جميع الشوارع الرئيسية في كافة المدن بحيث لا تقل عن (5) أدوار على سبيل المثال لا الحصر. السماح ببناء مبانٍ سكنية متعددة الادوار داخل الاحياء او تخصيص احياء تكون فيها جميع المباني متعددة الادوار وهذه معمول به في جميع انحاء العالم وفي بعض مدن المملكة مثل جدة ومكة وغيرها.
السماح لاصحاب الفلل السكنية بزيادة دور على الاقل لاسكان احد افراد الاسرة او تأجيرها للغير.
اعادة تأهيل وتطوير الاحياء الشعبية التي سبق ان تعرضت لها في مقال سابق وها أنا اعيد الطرح من جديد
نعم ان مساحة مدينة الرياض التي يبلغ عدد سكانها اليوم بما في ذلك الاخوة غير السعوديين ما يربو على خمسة ملايين نسمة تفوق مساحة مدن عالمية كبرى مثل نيويورك ولندن وطوكيو وغيرها عدة مرات والتي يربو عدد سكان كل منها على (15) مليون نسمة مما يعني ان مساحة مدينة الرياض الحالية تستطيع ان تستوعب ما يصل الى (15) مليون نسمة او اكثر اذا تم الاخذ بالخيارات السابقة دون الحاجة الى مزيد من التمدد الافقي الذي يكلف مبالغ طائلة في ايصال الخدمات والمواصلات والتشغيل والصيانة وغيرها.
لذلك فإن الاخذ بالخيارات الاربعة السابقة كفيلة بمضاعفة عدد الوحدات السكنية القائمة بتكلفة اقل من ناحية ودون حاجة الى ايصال خدمات جديدة لتلك المناطق لان جميع الخدمات متوفرة او شبه متوفرة فيها سلفا ناهيك عن ان اغلبها سوف يتم بجهود ذاتية من قبل الملاك.
وعلى اية حال الكل استبشر بما يتم تداوله عن وجود اكثر من (190) مليون متر مربع حكومية بالاضافة الى ما يتداوله العقاريون من وجود (160) مليون متر مربع اخرى في مدينة الرياض وهذه المساحات وحدها قابلة للتطوير او البيع فما بالك بالمدن الاخرى مما يعني ان مشكلة الإسكان سوف تحل حلا جذريا اذا تم الاخذ بجميع الخيارات والمحاور والوسائل التي تؤدي الى ذلك بما في ذلك تأهيل وتطوير الاحياء الشعبية في كل مدينة وقرية ناهيك عن ان منح او بيع تلك الاراضي للمواطنين او المطورين ضمن ضوابط حازمة سوف يؤدي الى خفض اسعار الاراضي وبالتالي اسعار الايجارات والتملك.
نعم الأحياء الشعبية في بلادنا تعتبر جزءاً لا يتجزأ من مكونات مدننا وقرانا، بل إنها كانت المكون الرئيس لمدننا وقرانا إلى عهد قريب، وهي ما زالت تشكل أغلب مراكز المدن الكبيرة مثل الرياض وجدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة وبريدة وجيزان والدمام وغيرها. الا انه مع تحسن الدخل والمستوى المعيشي انتقل الناس تدريجياً من تلك الأحياء إلى أحياء أكثر حداثة ثم إلى أحياء حديثة. ولقد دأب الناس على أسلوب الانتقال من حي إلى آخر حتى أصبحت الأحياء الشعبية وحتى بعض الاحياء القديمة شبه مهجورة من سكانها الأصليين وبذا تضخمت المدينة وهي فارغة في الوسط وحلت العمالة الوافدة المتخلفة والمهربة والمتستر عليها وغير الملتزمة والعازبة في تلك الاحياء مع وجود قليل جداً من المتأهلة ولم يقتصر الامر على ذلك بل ان تلك العمالة جلبت معها ممارسات وسلبيات غير حميدة مما جعل الأحياء الشعبية في المدن الكبيرة مكانا غير مرغوب للسكن من قبل المواطنين مما جعلها حكراً على العمالة غير النظامية الا ما ندر وقد ترتب على ذلك بروز مجموعة من العوامل التي تدعو إلى إعادة الحياة الطبيعية إلى تلك الأحياء من خلال إعادة تأهيلها وتطويرها للأسباب والمبررات الآتية:
إن الأحياء الشعبية أصبحت وكراً وملاذاً وملجأ للعمالة غير النظامية وممارستها السلبية التي يتمثل بعض منها في: التزوير وصناعة الخمور وترويج وبيع المخدرات والسرقة ونسخ وبيع الأفلام الإباحية وفك الشفرات بالإضافة إلى تسويق الرذيلة ونشرها واحتضان العمالة الهاربة من كفلائها من خادمات وسائقين وإعادة تشغيلهم، ناهيك عن إيواء عصابات التسول واختطاف الأطفال وسرقة المنازل وغيرها.
تقدر العمالة غير النظامية في المملكة بما يتراوح بين (2 – 5) ملايين وهذا إن صح فإنه يشكل قنبلة موقوتة فمثل بعض هؤلاء يمكن أن يشكل طابوراً خامساً يعمل في مجال التجسس والتخريب والعمالة للأجنبي بكل ما تحمله الكلمة من معنى ولعل هذا من أهم الأسباب التي دفعت الى تبني الدولة حملة الضبط والربط التي تنفذها قوى الامن التي أخذت على عاتقها تنظيف البلد من المتخلفين ولا شك ان تأهيل وتطوير تلك الاحياء واعادة الحياة السوية اليها يساعد على التخلص من العمالة المتخلفة وسلبياتها.
نعم من اهم دواعي إعادة تأهيل الأحياء الشعبية وتطويرها وجعلها مكاناً صالحاً للسكن ما يلي:
– انها احد وسائل حل أزمة السكن الخانقة التي حدثت وتحدث بسبب الغلاء الفاحش للأراضي والوحدات السكنية والتي يترتب عليها عدم مقدرة الغالبية العظمى من الناس على مجاراتها مما يؤدي الى الاقتراض طويل الاجل ذي الفوائد المركبة وبالتالي الحكم بالفقر المؤبد على كل من لجأ إليه من محدودي الدخل ولهذا فإن إعادة تأهيل الأحياء الشعبية أصبح ضرورة قصوى خصوصاً أن إعادة تأهيل تلك الأحياء لن يكون مكلفاً للأسباب الآتية:
– إن بعض المنازل في تلك الأحياء ما زالت متماسكة ولا يحتاج إلا للترميم وإعادة سفلتة الشوارع خصوصاً أن البنية التحتية من ماء وكهرباء وهاتف وربما صرف صحي موجودة بصورة او باخرى وقائمة. أما المنازل الآيلة للسقوط فيمكن إعادة إعمارها أو تحويلها إلى حدائق ومتنزهات ومرافق خدمية أخرى. ناهيك عن الاستعانة بالجمعيات الخيرية لاعادة تأهيل بعض تلك المنازل لصالح من تقوم برعايتهم وعونهم لان هذا الاسلوب انجع من اسلوب دفع ايجار لهم.
– نعم إن إعادة تأهيل الأحياء الشعبية لا يعني بالضرورة تحويلها إلى النمط العمراني الحديث مثل إقامة فلل وأبراج سكنية، فمثل هذا التوجه يفقد المدينة جزءاً لا يتجزأ من تنوعها وتاريخها وتركيبتها العمرانية ناهيك عن أن ذلك يمسح من ذاكرة التاريخ مرحلة هامة من مراحل تطور مدننا ليس هذا فحسب بل ان مسح تلك الأحياء وإعادة إعمارها مكلف وغير اقتصادي بالنسبة للأسر محدودة الدخل.
– أما إعادة تنظيم تلك الأحياء وتزويدها بالخدمات الحديثة من أسواق وخدمات وحدائق ومرافق تعليمية وصحية متطورة فسوف يضفي عليها جاذبية وقابلية للسكن والإقامة.
– إن إعادة تأهيل الأحياء الشعبية سوف يعيد عدداً كبيراً من الوحدات السكنية إلى سوق السكن وهذا بالتالي سوف يحد من احتكار الأراضي والمغالاة في أسعارها وأسعار الوحدات السكنية وإيجاراتها التي تقف اليوم حجر عثرة أمام رفاهية المواطن وبالتالي تصبح ازمة الإسكان وسيلة يستخدمها من يصطادون في الماء العكر للتحريض وزرع التذمر.
– بما أن الأحياء الشعبية تشكل الأحياء الداخلية في المدن الرئيسية مثل الرياض التي تحتوي على أحياء شعبية عديدة مثل: الجرادية والمرقب ودخنة وغميتة والشميسي ومنفوحة القديمة والصالحية وغيرها فإن المنطق يدعو إلى تأهيل تلك الأحياء لتصبح جزءاً لا يتجزأ من تطور المدينة وتنوعها، بدلاً من أن تظل مثل الجرب الذي يشوه جسم المدينة ويتركها ملجأ للحيوانات الضالة والعمالة السائبة.
– الأحياء الشعبية هي المكان المناسب لإقامة الأسواق الشعبية سواء كان ذلك يتعلق بالمظهر العمراني لتلك الأسواق أو أسلوب العرض أو طريقة البيع والشراء أو نوعية البضائع أو يتعلق بالصناعات اليدوية المحلية والتراثية، وذلك لأن الأسواق الشعبية في جميع أنحاء العالم تعتبر من المعالم السياحية المميزة لكل بلد ولهذا يحرص السياح على اختلاف جنسياتهم على زيارتها وشراء البضائع التي تحمل طابع البلد وتميزه منها ناهيك عن أن الأسواق الشعبية في الغالب توفر بضائع يصعب توفرها في الأسواق الحديثة.
– إن إعادة تأهيل تلك الأحياء سوف يعيد الحياة السوية إليها ويزيل الوحشة والخوف عنها كما أنه يعيد عبق السكن فيها فبيوتها من العلامات المميزة للمساكن الشعبية التي استمدت تصميمها ومواد بنائها من البيئة الصحراوية فهي أكثر ملاءمة لها وهذا لا يمنع من إدخال بعض الأساليب الحديثة عليها مما يزيد من عمرها الافتراضي وكفاءتها البيئية ومنافستها لغيرها من الوحدات السكنية.
– إن تطوير وتأهيل تلك الأحياء يمكن أن يتم من خلال تشجيع الملاك على إعادة تأهيل منازلهم وذلك بعد أن يتم تطهير تلك الأحياء وازالة ما ينتابها من معوقات وتشويه وبعد إعادة السمعة الحسنة إليها كما يمكن تشجيع ذلك من خلال منح قرض ميسر لغير القادرين من أجل الترميم أو إعادة التعمير وهذا ربما يدفع ببعض الملاك إلى العودة إلى مسكنه القديم بعد الترميم أو إعادة التعمير والاستمرار فيه.
– نعم من أهم إفرازات أزمة السكن تأخر سن الزواج فلم تعد تكاليف المهر وحفل الزواج هما العائقان الرئيسيان، بل أصبح تملك السكن أو استئجاره هو الطامة الكبرى، لأن التملك يحتاج إلى قرض ويحتاج الى ارض والقرض يظل جاثماً على صدر المقترض لأغلب العمر، أما الايجار فإنه قطعة من نار يتكرر سنوياً، ولهذا انخفض معدل زيادة عدد السكان في المملكة من (3.5%) إلى حوالي (2%) خلال العقد والعقدين الماضيين، وناهيك عن ان انخفاض نسبة الانجاب تعني استمرار حاجتنا إلى العمالة الأجنبية التي بلغت تحويلاتها إلى الخارج ما يربو على (135) مليار ريال في العام المنصرم مع أن هذا المبلغ لو دور محلياً لأدى إلى استيعاب الزيادة في عدد السكان دون الخوف من أزمة السكن والبطالة أو غيرها ولهذا فإن تأهيل الأحياء الشعبية يعتبر خطوة رائدة نحو حل أزمة السكن، وبالتالي حل أزمات أخرى مترتبة عليها. خصوصا ان بلادنا تشهد هذه الايام عملية تحول كبرى نحو بناء اقتصاد قوي ومصادر دخل متعددة ناهيك عن ان مساحة المملكة الشاسعة تحتاج الى مزيد من السكان.
● من البدائل التي يمكن أن تتبع لتطوير الأحياء الشعبية فتح باب الاستثمار فيها من خلال تثمينها وطرحها للاكتتاب العام من أجل إقامة مجمعات وأبراج سكنية بعد إعادة تخطيطها مع العلم أن صاحب المنزل الذي لا يرغب في البيع يمكنه الدخول بمنزله كمساهم ويحصل بدلاً منه على وحدة سكنية أو شقة مع دفع أو أخذ الفرق. هذا وقد سمعنا عن انشاء شركة متخصصة لتطوير مركز مدينة الرياض براس مال يصل الى (8) مليارات ريال الا انها لم يشاهد لها نشاط ملموس حتى الان.
● إن أزمة السكن الخانقة يعكسها التقرير الاقتصادي المتخصص الذي نشرت جريدة (الرياض) قبل عامين بعض ملامحه على مستوى المملكة والذي يشير إلى أن أكثر من (10) ملايين سعودي يعيشون في مساكن مستأجرة والذي أشار أيضاً إلى أن (31%) من المساكن المتاحة هي من النوع الشعبي وأن (3%) غيرها مبني من مواد غير حديثة، ناهيك عن نسب وصول شبكة المياه والكهرباء مما يعني أن إعادة تأهيل الأحياء الشعبية وإعادة الثقة بها وتحسين سمعتها أصبح من الضرورة بمكان خصوصاً أن هناك احصائيات تشير الى ان أكثر من (60%) من مواطني المملكة المؤهلين لا يملكون سكناً خاصاً بهم. والسبب أنه لا يوجد أي إطار تنظيمي للتحكم بتجارة الأراضي والمنتجات العقارية الأخرى حتى الآن. وهذا ما جعل سوق العقار قطعة من نار كلما حاولت الدولة ايجاد حلول لها وجد من يعطل ويسوف ويؤخر من خلال تبني خيارات وحلول اما نظرية او عقيمة او تحتاج الى وقت طويل للانجاز مع اهمال الحلول الاسرع والاقل تكلفة.
نعم إن اهتمام خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو ولي ولي العهد -حفظهم الله- بالإسكان ومفرداته لا تخفى على أحد فالدولة تبذل قصارى جهدها لحل ازمة الإسكان الا ان اساليب التننظير تقف عائقا امام سرعة التنفيذ والانجاز. والله المستعان.