مشروع إسكان المعذر بمدينة الرياض، كما نظيريه في مدينتي جدة والدمام، هو من أوائل مشروعات الإسكان الحكومية المتعددة الأدوار والعالية الكثافة السكنية، اعتبر حينما تم إنجازه من أفضل مشروعات الإسكان العام في المملكة، من حيث جودة وتكاليف التنفيذ، وتوفر شبكة المرافق والخدمات العامة لـوحداته، باستثناء كثافة تطويره السكني التي تعد عالية نسبياً وتبلغ نحو (50) وحدة سكنية/ هكتار (المعدل العام يتراوح ما بين 10 – 60 وحدة سكنية/ هكتار) حيث مثلت كثافة التطوير تلك أهم العوامل التي أفضت ببيئته العمرانية والاجتماعية إلى ما هي عليه الآن من سوء، يعكس ذلك بوضوح المظهر العام لمنشآت المشروع من الخارج التي أصبحت عناصرها في فوضي تقذي العين، بل الأكثر من هذا هو تخصيص جزء من مباني المشروع ليكون مقراً لمركز شرطة من أجل خدمة سكانه أمنياً والأحياء المحيطة به، مما يعطي الانطباع بتدني مستوى هذا الجانب في المشروع مقارنة بما عليه في الأحياء السكنية الأخرى المجـاورة إضافة إلى استحداث مركز لهيئة الأمر والمعروف والنهي عن المنكر ضمن عناصر المشروع، بما يوحي أيضاً عن وجود سلوكيات اجتماعية من بعض المقيمين في المشروع تستلزم وجود هذا المركز، خلاف أن هذا المشروع أصبح في وقت ما طارداً لملاك وحداته، وإحلال أسر وافدة بدلاً منهم، بخلفياتها الاجتماعية والثقافية المختلفة، لتوسطه بين مواقـع العمـل المتعددة، بالرغم من استهداف المشروع للأسـر السعودية في الأصــل لتستفيد من مرافقه وخدماته وقربه من أماكن عملها.
لا أعلم لماذا نوجد الظروف حالياً لتكرار الواقع المؤلم الذي يظل محصوراً في قرابة ألف وحدة سكنية فقط بإسكان المعذر، لنوسع من دائرته، وعلى نحو ربما أسوأ، وذلك عبر قيام مركز خدمات المطورين «إتمام» التابع لوزارة الإسكان بمنح مطوري عشرة مشروعات سكنية في عدد من مدن المملكة استثناء في تعدد الأدوار، ليحصل هؤلاء المطورين على زيادة في عدد الوحدات السكنية تصل نسبتها إلى (200) في المئة…؟!
وعلى ذات المساحة من الأرض، إما لتلبية جشعهم، أو لاستغلال الأراضي بأكثر من حدها الأعلى، فتصبح الكثافة السكنية ضعف ما هي عليه في إسكان المعذر، أي حوالي (100) وحدة سكنية/ هكتار، وليبلغ إجمالي تلك الوحدات السكنية بعد الاستثناء (64061) وحدة، بعد أن كان مخططاً ومعتمداً أن تكون في حدود (20393) شقة سكنية.
إن استيفاء اشتراطات الأمن والسلامة فيما يتعلق باسـتثناء تعدد الأدوار في تلك المشروعات لا ينبـغي أن يقتصر فقط على ما يلبي متطلبات جهاز الدفاع المدني، وإنما يجب أن تقترن أيضاً بعناصر لا تقل عنها أهمية وهي متطلبات الأمن الاجتماعي للأسر التي ستكون تلك المشروعات مأوى لأفرادها، لتفادي ألا تكون البيئة السكنية التي تستقطب مدخرات تلك الأسر، حاضناً لممارسة الجريمة بنوعيها الأخلاقي والجنائي، الأمر الذي لا يملك الرأي القاطع حوله، إلا جهة اختصاص مثل مركز أبحاث الجريمة بوزارة الداخلية، حيث إن من المعروف أن من بين مهامه الرصد والتحليل للجريمة في المملكة وتوفير الإحصاءات عنها وبالتالي معرفته المسبقة عن مقدار النزعة لدى مثل هذه المشروعات السكنية المكتظة بالسكان، لأن تكون مأوى وبيئة حاضنة لارتكاب هذه الجرائم من عدمه، وتوفر الخبرة المتراكمة لدية عن كيفية الوقاية من ذلك.