قبل أكثر من عشرة أيام صدر قرار مهم عن مجلس الوزراء السعودي، وكان موضوعه فرض رسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني في المدن، وقد أوكلت مهمة وضع الترتيبات المناسبة لاقرار هذه الرسوم في شكلها النهائي الى مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وما زالت طريقة تحصيل الرسوم دون معالم واضحة حتى تاريخه، وان كانت التصورات تتجه الى ربط المبالغ المطلوب تحصيلها بمساحة الأرض، وبحيث ترتفع كلما زادت المساحة وتنخفض كلما قلت، في علاقة عكسية تنسجم وحالة الاحتكار المسيطرة على سوق العقار في المملكة، والتسمية في حد ذاتها ما زالت محل خلاف لان الرسوم ربما فسرت على أنها ضرائب.
توجد قوانين في أوروبا وامريكا وغيرها تضبط هذا النوع من الاحتكارات، ولكنها تتعارض مع الاعتبارات الشرعية المعمول بها في المملكة، ومن حيث المبدأ، تقدم الرسوم حلا معقولا في الفترة الحالية، خصوصا اذا ما تم ربطها بالمساحة، لان ملاك الاراضي سيضطرون الى بيعها او استثمارها او تحويلها الى مخططات سكنية، وكلها تعمل لخدمة الهدف الأساسي من مبادرة التفكير في اقرار الرسوم، بافتراض ان اصحاب العقار لن يفكروا في الالتفاف واتمام صفقات بيع وشراء في ما بينهم، وبما يضمن تقسيم اراضيهم الكبيرة الى قطع صغيرة متفرقة بين قبائل العقاريين، ما قد يجعل فكرة الجزاء المالي لمحتكر العقار غير مفيدة ودون تأثير موجع.
بعض أهل العقار بدأ فعلا في الغمز من قناة الرسوم، وانها ربما انطوت على ضرائب مخالفة لنظام الدولة واولوياتها الإسلامية، وطالب بشراكة بين وزارة الإسكان والقطاع الخاص، ولا اثق في الشراكة بين الخصوم، وهناك من يرى ان الرسوم لا بد ان تكون جزءا من مشروع اضخم، وان يكون العمل الحقيقي على علاج أشمل وأكمل لمشكلة تمليك المساكن، وألا تتحرك الأطراف المعنية وكأنها تقيم في جزر معزولة وبعيدة عن بعضها، او بعبارة اوضح، البلديات وكتابات العدل والبنوك وصندوق التنمية العقاري وبقية الجهات ذات العلاقة، مطالبة بان تتفهم مسؤولياتها وتستوعب أدوارها المتوقعة في ملف الاسكان، والمفروض ان تستفيد وزارة الاسكان من رسوم الاراضي البيضاء بشكل مباشر، ودون وساطة من وزارة المالية ومماطلاتها المعتادة.
المملكة تعيش مرحلة القرارات الجريئة والتاريخية، وفرض رسوم الاراضي البيضاء يعتبر قرارا نوعيا بامتياز، لانه ينحاز الى جانب الناس العاديين ضد هوامير العقار، وما يمثله هؤلاء من اعادة انتاج لنظام الإقطاع القديم بحمولته الانتهازية، ولا اتصور ان الدعاية السلبية ستؤثر في القناعات الراسخة، ولن يغير في واقع الأشياء، القول بان الطرف الأضعف في المعادلة، سيتحمل فاتورة الرسوم في نهاية الأمر، فالثابت ان العدالة والمساواة الكاملة في تطبيق القرار، الذي ما زال في طور الشطب والتعديل، ستجعل ملاك الاراضي غير المستغلة داخل المدن يهربون الى الأمام، ومن غير المستبعد طرحهم الاراضي باسعار اقل من قيمتها السوقية، تجنبا لرسوم لا يطيقونها أو لا يريدونها أيهما أنسب، وفي مساحات ترابية لم تكلفهم شيئا يذكر، ومن السهل جدا توثيق الاراضي المعطلة في المدن والأحياء السكنية، وعلى سبيل المثال، تجاوزت مساحاتها في الرياض وجدة مساحة المسكون في المدينتين، والحالة تحتاج لتدخل جراحي دقيق ومركز، يعيد ترتيب الخريطة السكانية، وبصورة تليق بالمملكة وسمعتها ووزنها.
المصدر :http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20150402/Con20150402762615.htm