رغم الجدل الذي يُثار من حين لآخر حول قضية الأراضي البيضاء، وتسبُّبِها في اشتعال أزمة الإسكان بالمملكة، بسبب عمليات الاحتكار و”التسقيع ” التي يمارسها تجار هذا النوع من الأراضي، رأى مجلس الشورى التريث قبل إصدار أي ترتيبات لفرض رسوم على هذه الأراضي، حتى يتحرك أصحابها لتطويرها أو عرضها للبيع، فيستفيد منها من يرغب فى إقامة منزل يحميه وأبناءه من غدر الزمن. ولحساسية القضية، وبسبب الخوف من أن تسير الحكومة عكس الاتجاه، منح المجلس لجنة الإسكان والخدمات المنوطة بوضع مشروع الترتيبات المنظمة لفرض الرسوم على الأراضي البيضاء وتعديلاته، مزيدًا من الوقت لدراسته جيدًا، من جميع الجوانب.
وحسنًا ما فعل المجلس، خصوصًا أن موافقة مجلس الوزراء من حيث المبدأ على المشروع المقتَرَح من المجلس الاقتصادي، انقسم المجتمع بشأنها إلى فريقين، أحدهما مؤيد والآخر متحفظ، ولكل منهما مبرراته. فالمؤيدون لفرض الرسوم يعتبرون القرار صائبًا لسببين؛ أولهما أنه سيؤدي إلى خفض أسعار الأراضي بشكل عام، حيث سيجبر القرار المكتنزين والمحتكرين للأراضي على بيعها والتخلص من رسومها، فيكثر المعروض وينخفض السعر، ويتمكّن الشباب من الحصول على قطعة أرض يشق بها طريق المستقبل، أو على الأقل يجد المسكن المناسب بالسعر المناسب لدخله. وثانيهما أنه سيسهم في حركة التنمية العمرانية، بإنشاء مجتمعات جديدة في أطراف المدن الكبرى، مما يؤدى إلى تطور المجتمع عمرانيًّا.
أما أصحاب الفريق الآخر (المتحفِّظون)، فيدفعون بتخوفهم من التأثير السلبي للرسوم الجديدة بزيادة قيمة الأراضي، حيث سيقوم أصحابها برفع أسعارها بما يعادل الرسوم المفروضة وربما أكثر، فتتفاقم أزمة الإسكان، ولا يستطيع صاحب الدخل المتوسط الحصول على قطعة أرض، وتتضاءل فرص الفوز بمسكن آدمي، مريح في السعر، وفي أسلوب السداد.
وبين هؤلاء وأولئك، يقف قطاع عريض من العقاريين والخبراء المختصين، يطالبون بتطبيق تدريجي للقرار بعد الموافقة النهائية عليه، ووضع معايير عادلة، لا تدخل بالقرار حيز التقديرات الجزافية العشوائية وغير الواقعية، مع وضع آلية محددة يتم من خلالها حصر جميع هذه الأراضي ومواقعها وأسباب عدم استغلالها، بحيث يتمُّ تقسيمُها إلى شرائح أو فئات (أولى، ثانية، ثالثة، وهكذا) على أن تكون لكل فئة من الأراضي نسبة محددة ومعينة من الرسوم، فأرض تصلح قصرًا، أو مصنعًا، تختلف بالطبع عن أخرى بالكاد تكفي منزلا صغيرا، وهذا المطلب نراه الأفضل والأنسب لشريحة من أبناء الوطن لا تستطيع تحمُّل الرسوم الجديدة أو دفعها مرة واحدة، ولكنها قادرة على تحملها وسداد أقساطها ودفعها، ولو على فترات متباعدة وبدون فائدة بنكية.
إن الأراضي البيضاء، وإن كانت خيرًا سخَّره الله لأبناء هذا الوطن، يجب أن يتم استثمارها وتطويرها بما يعود بالنفع على الجميع، وليس تركها لفئة بعينها، لعبتُها الأراضي، تستثمر معاناة الآخرين، وتلعب بأوتار الحالمين بالمسكن العائلي الجميل. وهو ما دفع ولاة الأمر إلى توجيه المجلس الاقتصادي لدراسة الأزمة من جميع أبعادها وجوانبها بالتنسيق مع الأجهزة والمؤسسات المعنية بالتشريع، حتى لا يتم حل مشكلة شريحة معينة من المجتمع على حساب شريحة أخرى، لأن الهدف الأسمى هو القضاء على سماسرة الأراضي والمتاجرين باحتياجات البشر، وتوفير المساكن لأصحاب الدخل المحدود، وليس محاربة الاستثمار العقاري الجاد والمنضبط، الذي لا يقف ضد طموحات وآمال المواطنين.